Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

سبِينُوزا وموقِفُه من الأثرياء إذا تولَّوا شُؤونَ أُمّة

محمد فارس
سؤال: السّيد [سبينوزا]: لقد كتبتَ الكثير في دَوْر ومفهوم الدَّولة فما هي الدولة؟
[سبينوزا]: الدّولة الكاملة ينبغي ألاّ تَحدَّ من قوّة مُواطنيها إلاّ إذا أدّتْ هذه القوّةُ إلى إلحاق الضّرر والأذى بأفراد المجتمع، وينبغي على الحكومة أن لا تَنزعَ حريةً من مُواطنيها تحت أيِّ ذريعة ما لم يكُنْ هناك ضررٌ وأذىً يلحق بأفراد المجتمع، كالعنف أوِ الجريمة؛ فلا يمكن لهذه الحكومة أن تَنزع هذه الحرية إلاّ إذا أضافتْ في مكانِها حرّيةً أوْسَع، وكلّما زاد نصيبُ المواطنين من الحرية، زاد حظُّ المجتمع من التّماسُك والسِّلم الاجتماعي، وكلما مُسّت هذه الحرية زاد التّذمُّر، والسّخط وكراهية المجتمع لهذه الحكومة الجائرة ولسياستِها والرّفض لقراراتِها..
سؤال: سيّد [سبينوزا]: ما هي في نظركَ الغايةُ الأخيرةُ من الحكومة عامّةً؟
[سبينوزا]: ليست الغاية الأخيرة من الحكومة التّسلّطَ على المواطنين أو كَبْحَهم بالخوف أو التّهديد، ولكنّ الغايةَ منها أن تحرّر كلّ إنسان من الخوف كي يعيشَ ويعمل في جوٍّ تامّ من الطّمأنينة والأمن، ويعيش في وئام مع مُواطنيه ذاك هو المراد..
سؤال: سيّد [سبينوزا]: ما رأيُك في حكومة تسلُك تارةً التّرهيب، وتارةً التّرغيب؟
[سبينوزا]: إنّني أكرِّر القول إنّ الغايةَ من الحكومة ليست تحويل الناس إلى أنعام، أو إلى آلاتِ صمّاء، ولكنّ الغايةَ منها تَمكيـنُ أجسامِهم وعقولهِم من العمل في أمن واطمئنان، وأن ترشدَهم إلى حياة تسودها حرّيةُ الفكر، والعقل، كي لا يبدِّدوا قِواهُم في الكراهية والغضب بسبب سياسةٍ أو قرارات يرفضونَها ولا تروقُ لهم؛ فمثْل هذه الحكومة تستحيل إلى خَصْم، ولكنّ الحكومة العاقلة فإنّ غايتَها هي الحرية الحقيقية..
سؤال: سيّد [سبينوزا]: لماذا جعلْت من الحرية هدَف الحكومة العاقلة والرّزينة؟
[سبينوزا]: لأنّ هدف الحكومة العاقلة هو الحرية، لأنّ عملَ الحكومة هو تَرقيةُ النُّمو والتّطوُّر، والنّمو يتوقّف على المقْدرة وتوفُّر الحُرية، لكنْ ماذا يفْعل المواطنُ لو خُنِقَتْ هذه الحرّية؟ ماذا يفْعل النّاس لوِ اتّجهتِ الحكومةُ إلى إيثار مصلحة الطّبقة الحاكمة والتسلّط على الشّعب واستغلاله؟
سؤال: ماذا نفْعل لو سعى الحكّامُ إلى الاستئثار بالمناصب والكراسي والتشبُّث بالحُكْم؟
[سبينوزا]: على هذا السّؤال، أجيبُكَ بوُجوب إطاعة القوانين حتى لو كانت جائرة وظالمة ما دامت الحكومةُ لا تَمنَع المواطنين من حرّية الكلام، والاحتجاج، والنّقد، والتّعبير عن الغضب..
سؤال: سيّد [سبينوزا]: في بلدي، ابتُلينا بحكومة تُجّار يدبِّرون أمورَنا ويقرّرون ما يشاؤون؟
[سبينوزا]: قيامُ حكومة الأثرياء يعتبر خطأً فادحًا ولا يُمكن لأمّة سمَحتْ بذلك، النّمو والتّطوير، وسأُعطيكَ دليلاً من التّاريخ: كانت [روما] القياصِرة قويّة، وكان الإنسانُ يفْخَر بقوله: (أنا مِن روما)، ولكنْ جاءت [روما] البابوات، وكانوا رجال دين أثرياء حتى لإنّ الكنيسةَ كانت تَملك أكثر من الدّولة، فكانت تصادِر أملاك الناس، وتَحرق الفلاسفة، وتُجْبِر المواطنين على دَفْع مبالغ مقابل كذْبة [نيْل الخلاص الأبدي]، وأنشأَتْ محاكم التّفتيش، وسادَ ظلامٌ دامس، وعندما انهارتْ [روما] البابوات، احتلَّ مكانَ رجال الدّين أثرياءُ بدعوى الدّيمقراطية، فصارت مجرّد اسم وشعار فارِغ يكذّبه الواقع؛ فأمّةٌ سمَحتْ بقيام حكومة الأثرياء، ستدارُ بعقلية الضّيعة أو الـمِلْكية الخاصة..
سُؤال: سيّد [سبينوزا]: كيف يٍمكن مقاومةُ هذه الحكومة، وما هي الوسائلُ المتاحة؟
[سبينوزا]: حكومةُ الأثرياء لا تعْرف للحرية معنىً، وستعْمَد إلى مكافحة حرّية الكلام، وكلّما زادتْ في مكافحتِها للحرّية حفاظًا على مصالحِها، زاد الشّعبُ عنادًا في مقاومتِها، والّذين يساندون هذه الحكومة، هم أصحاب الشّرَه، والطّمَع من رجال المال والتّجار، وحكومةُ الأثرياء تُنصّب في مناصبَ هامّة أكثَر الناسِ بلاهةً وبلادةً لا لشيء إلاّ لأنّهم يَقدرون على التّملق؛ وهكذا تُصْبح الدّيمقراطية في يد الدّجالين والملاّكين الذين يكْذبون على الشّعب..
سؤال: سيّد [سبينوزا]: وما هو السّبيلُ لِلتّخلص من هذه الحكومة لإنقاذ الأمة من خَطرِها؟
[سبينوزا]: ينبغي على الديمقراطية الحقّة أن تَحلّ هذه المشكلة الخطيرة، وذلك بحصْر حقّ التّرشيح في الانتخابات في أصحاب المواهب والمقْدرة والعِلم والخِبرة، وإشراكُ النّاخبين في انتخاب مَن يريدون من بيْن هؤلاء؛ بذلك نكون قد أغْلَقنا البابَ أمام الأثرياء والجُهلاء..
سؤال: هل هناك وسائل لإسقاط مثْل هذه الحكومات التي تحوِّل المجتمعَ إلى قطيع، كيف ذلك؟
[سبينوزا]: إنّ مقاومة هذه الحكومة سوف يعتبرها البلهاء خيانةً، ولكنْ هذه المقاومةُ الشّعبية تعتبَر شرفًا للشّعب الحرّ، وأما طبيعة الوسائل، فيجبُ أن تكونَ سلميةً، بعيدًا عن العنف؛ فهناك الاحتجاجات، والمسيرات، والمظاهرات السّلمية وتوقيع العرائض، ومقالات الصّحف، وخطابات الزّعماء الذين لهم مصداقية عند الشّعب، وأن يكون لِلشّعب تصميمٌ وعنادٌ ونفَسٌ طويل، ولم تعمِّر هذه الحكومة طويلاً حتى تنهار بفعل الضّغط الشّعبي..

Exit mobile version