Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

سلطة التزييف أوسلطة التفاهة

ليس التزييف فقط نشر أخبار زائفة، ولكن نشر نصف الخبر يعتبر أيضا تزييفا، وهذا ما ينطبق على العديد من الأمثلة في بلدنا، ليس آخرها قضية الكاتب سعيد ناشيد، الذي أقدمت وزارة التربية الوطنية على فصله من العمل. وبمجرد الإعلان عن ذلك نشر المعني بالأمر تدوينة طويلة، تبعتها موجهة كبيرة من الاستنكار، وبالنظر للطريقة التي سوّق بها ناشيد عزله من العمل أظهر وكأن القضية ليست صراعا إداريا، وإنما حرب تشنها الحكومة “الملتحية” بتعبير الراحل عبد الكبير العلوي المدغري، ضد مفكر تنويري يكتب مؤلفات في الفسلفة.
للحقيقة أجزاء لا تكتمل إلا بها. إذ السؤال هل في بلدنا، الذي تكاد تكون فيه القراءة منعدمة، هناك من يقرأ الفسلفة فبالأحرى أن يمنعها من التداول؟ وهل هناك تنويري أكبر من المفكر الكبير عبد الله العروي؟ فلماذا تباع كتبه في كل المكتبات دون منع ودون طرد من الجامعة إلى أن غادرها متقاعدا؟ فما فاله ناشيد بأن المدير الإقليمي للتعليم بسطات استمع إليه بحضور مسؤول في العدالة والتنمية، يبقى جزء فقط لكن أين هي الأجزاء الأخرى؟
ماذا يعمل هذا المسؤول في المديرية؟ جزء آخر من الحقيقة يقول إن ناشيد افتعل حضور القيادي في البيجيدي كي يبين أن القضية تتعلق بصراع بين الظلاميين ومفكر تنويري من أجل طمس حقائق أخرى تتعلق بالموضوع، وعلى رأسها القرار الإداري المبني على الغيابات المتتالية للرجل. وهذا ما جاء في بيان المديرية الإقليمية.
هذا فقط نموذج للتزييف الذي يمكن أن يحصل، وقلنا إن التزييف ليس نشر الأخبار الزائفة فقط ولكن تقطيع الخبر يعتبر تزييفا. ومما ساعد على انتشار هذه الظاهرة هو ما يسميه المفكر الكندي آلان باديو نظام التفاهة، ومن عناوينه هو إعطاء الفرصة للجميع للحديث عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تحولت إلى سلطة تقود الجميع نحو تبني وجهة نظر واحدة، بينما تصب اللعنات والشتائم على كل من يخالف ذلك.
عندما يطالب البعض بإطلاق سراح الصحفيين سليمان الريسوني وعمر الراضي، قد يكون في الأمر ما يسيغ ذلك، باعتبار الظروف الصحية أو غيرها. وقد تكون المطالبة بتوفير محاكمة عادلة أمرا عاديا، رغم أن المغرب حسم موضوع استقلالية القضاء. لكن في الأمر حقائق أخرى غائبة. أولا، لا يمكن المطالبة بإطلاق سراحهم لأن المحاكمة فيها “إن” أو “حتى” وهؤلاء أبرياء مما نسب إليهم. فالبراءة تقررها المحكمة وحدها. وهذا ما يحيلنا على الأمر الثاني، وهو أن في الحقيقة ما هو خفي وهو وجود ضحايا. ووجود الضحايا يحيل على أن مطالب العديد من الجمعيات والأشخاص زائفة.
في تامسنا زعمت سيدة أنه تم التحرش بها وتعريضها للعنف قبيل ساعة ونصف من الإفطار. الجزء الآخر من الحقيقة أنها لم تمتثل لإجراءات الطوارئ الصحية.
التزييف هو افتراض وجود حرب تقودها جهات في الدولة ضد أشخاص لأنهم يمثلون شيئا مهما في البلاد، وهم لا أهمية لهم إلا عند من يوظفهم. التزييف هو تحويل قضايا إدارية وجنائية إلى قضايا رأي عام واعتقال سياسي.

Exit mobile version