صلاة التراويح من العبادات التي دأب عليها المسلمون خلال شهر رمضان، تقربا وزلفى إلى الله تعالى، وكانوا يستعدون لها أتم الاستعداد، والعبادات تحتاج إلى خالص النية والتوجه المحض إلى الله تعالى، وكانت تشكل أحد أعمدة رمضان، التي توحي بدخول شهر جديد ليس كباقي الشهور، لكننا عشنا حتى وصلنا إلى زمن أصبحت فيه التراويح مادة للبيع والشراء والاتجار ومثلما يستغل بعض النساء مطابخهم لتصوير روتيني اليومي أصبح بعض أئمة التراويح يسجلون قراءاتهم وإمامتهم للناس لبثها عبر اليوتوب.
ونتج عن ذلك مضاعفات أضرت بالمصلين، فلا معنى أن تستمر صلاة التراويح أكثر من ساعتين وتصل إلى ثلاث ساعات أحيانا، فقد أوصى رسولنا الكريم بأن نسير سير ضعفائنا، يعني المعيار هو الضعيف وليس القوي وقال ناصحا أحد الصحابة بعدم تطويل الصلاة لأن “فيهم المريض وذا الحاجة والمسافر”، وزد عليهم اليوم أن أغلب الناس مضطرة للاستيقاظ باكرا للتوجه إلى الشغل بينما الإمام ينام بعد صلاة الصبح ولا يستيقظ إلا قبيل صلاة الظهر.
لقد ارتبط التطويل “بروتيني اليومي” أيضا، حيث أن أغلب القراء يبثون ذلك في قنوات التواصل الاجتماعي، وكلما كانت ساعات المشاهدة طويلة كلما ازدادت أرباحهم من اليوتوب. أحد المساجد الشهيرة بالدار البيضاء والتي كان يحج إليها الناس بالآلاف لم يعد يتعدى عدد المصلين فيه اليوم الصفين والثلاث في أقصى تقدير.
من حق الإمام أن يقوم الليل كله ويصلي بالسبع المثاني وطوال السور لكن بعد أن يفرغ من إمامة الناس، سيقول قائل فإن التراويح ليست فرضا ولكنها مجرد سنة ومن لا يستطيع فعل ذلك يصلي في منزله، وهذه أم المغالطات، لأن المغربي لا يرى رمضانا دون تراويح في المسجد حتى لو اقتصر على الركعتين والأربع، وبالتالي ليس الحل هو تنفير الناس من المساجد ولكن التزام القراء بتقصير التلاوة حتى يتمكن كل من يرغب في الصلاة جماعة أن يحضرها دون عناء وكلفة.
هذه الساعات الطوال من الصلاة، لا يوازيها نظير في الصلاة المفروضة حيث يقتصر بعضهم على آية أو آيتين، لكن التراويح يتم تصويرها وبثها وتدر الأرباح، وهذا خطر على قيمة وروحانية المشهد الرمضاني الليلي، لكن يبقى سؤال مهم لابد من طرحه على وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية والمجالس العلمية: أي دور لهما في مراقبة بيوت الله حتى لا يتم استغلالها؟ من سمح لهؤلاء بالتصوير داخل المساجد؟ يعرف المشتغلون بالتصوير وتسجيل الوثائقيات أن التصوير داخل المساجد معقد للغاية، حيث يحتاج إلى تراخيص إضافية إلى جانب رخصة المركز السينمائي، حيث يجب الحصول على ترخيص الوزارة وحضور ناظر الأوقاف خلال مرحلة التصوير، لكن هؤلاء يصورون براحتهم دون حسيب ولا رقيب.
ما يجري اليوم في المساجد يخل ببعدها الروحي حيث إذا تواصلت ستصبح المساجد مثل المقاهي.
صلاة التروايح وعبادة “البوز”
