محمد عفري
كنتُ، بلا غرور، ولا أزال، مُحقا جدا، في أن أولي وجهة مسمعي إلى الشاب “مامي” وهو يصدح بأم “آهات” شيوخ فن “الراي” بصوته الشذيِّ الطروب، ذي المقام الموسيقي العالي “ري صول – ري صول” أو إلى الـ”دّيفا” الشابة الزهوانية، بمعية الشاب الصحراوي في أحسن “بَراويلهما”، يحركان الدواخل المهووسة بمزيج الإيقاع (كادانس) الموسيقي العصري التقليدي، على أن أستسلم إلى صوت نشاز يعلق على مباراة في كرة القدم، كبيرة في قيمة التنافس وشيقة في المحتوى وشادة للأنظار وآسرة للأفئدة، تتفنن فيها جوقتان طروبتان، وتستمتع بها جماهير ذوّاقة، لكن، للأسف، يعلّق عليها صوت “قصديري”، لم تستسغه في يوم من الأيام أذناي، وأنا “السّمّيع” الذي اعتادت مسامعي أن تشنّف بأصوات ملائكية من شرق الكرة الأرضية إلى غربها في الغناء والابتهال والنشيد و المديح، وكل ما جاد من طرب وطروب.
أنا الذي استمتعت بكبار المعلقين، على أثير المذياع أو شاشات التلفزة، من أمثال “جان ماري كافادا” و”ماري ألبيرت” و”تيري رولاند” و”مايك جوي” و”ميكائيل كاي” و”جيم روس” (أوروبا + أمريكا) ومحمد طه حميدتو (السودان) وكابتن لطيف والجويني وزيوار والشربيني ومدحت شلبي (مصر)، وغيرهم من الأسماء اللامعة في عالم التعليق على مباريات كرة القدم، الذين أضفوا على متابعة الساحرة المستديرة الكثير من الحماس والإثارة، وأمتعوا جماهيرها، على مر سبعينيات وثمانينيات القرن الأخير، إلى باقي الأسماء اليوم من قبيل الشوالي (تونس) وفارس عوض (الإمارات) وغيرهما، لم تكن لتنطلي عليّ، في يوم من الأيام، فكرة معلق جزائري من دون “مهمات” خسيسة، فبالأحرى أن أستسيغ معلقا رياضيا من بلد بينه وبين الرياضة والروح الرياضية، في تاريخها وحاضرها، بون شاسع شساعة “الاتحاد السوفياتي” في مساحتها أو في المسافة التي تربط بين موسكو والجزائر العاصمة.
بقدر ما تحاشيتُ المعلق الجزائري حفيظ الدراجي، مضحيا بالجيد من المنتوج الكروي وأنا الشغوف به حتى النخاع، بقدر ما نلتُ من زملاء وأصدقاء وأقارب فنون العتاب واللوم على ما كنت أحدَسه وأؤكده إلى حدود الآن “تسللا” واضحا من زاوية نظر “واسعة”، لواحد من المحسوبين “الرسميين”، على نظام العسكر الجزائري، إلى عالم الرياضة وكرة القدم بالخصوص. لم تكن “دفوعاتي” تقف عند نشاز الصوت أو محدودية التعليق في جملة أو جملتين “يَنهق” بهما حفيظ في كل المباريات، من قبيل “أولاَاالاّلاّاااا، خمسة المتر وخمسين” أو “بّابا بّابا بّابا بّابّااااا”، أو غياب المعلومة الصحيحة لديه، وإنما كانت تتعداه إلى تحذير “المعحبين” به، من المحسوبين على دائرة معارفي وصداقاتي من خطورة عبارات صب الزيت على النار ونفث السم في جسم الرياضة ومسامع الرياضيين، كلما سنحت له الفرصة، أقلّها، وصف منتخب بلاده الجزائر، بـ”محاربي الصحراء”، بلا مبالاة لحساسية العبارة ووقعها على نفوس الجزائريين أكثر من المغاربة، وبإصرار على إذكاء العداء وعلى مجانبة المهنية.
اليوم، وحفيظ الدراجي اختار أن يعلن، بصريح العبارة، عدم حياده وعدم موضوعيته ومهنيته، بل عدم “روحه الرياضية”، بالتطاول على الثوابت المغربية، في تدوينة على واحد من حسابات للتواصل الاجتماعي، كشف عن عمالته الرخيصة للنظام العسكري الجزائري ولجهات أخرى معادية للمغرب، ها قد صدق حدسي ونبّهني الله إلى أن لا أشفق عليه ولو بكسرة خبز، أكثر من شفقتي على الذين آووْه واحتضنوه بالغدق من زملائي الصحافيين يوم اشتدت به ضائقة الحديد والنار الجزائريين، فلم يجد من غير المغرب جنة للنازحين.
ليست المرة الأولى التي ينزلق فيها ذو الصوت النشاز ضد المغرب وثوابته، ولا الثانية، كما لن تكون زلته هذه هي الأخيرة، لا لشيء، إلا لأنه مرتزق من مرتزقة الرياضة بتلوينات شتى، يؤدي الدور المنوط به بمقابل. إنْ صحّتْ فيه صفةُ الكلب الغادر، الذي يعض يد من أطعمه، صحت فيه أيضا صفة الجبان الذي ينطق صوت سيده أو أسياده. لذلك، إن كنت أتحداه فيما كتبه من تدوينات أن يبادر إلى إعلانها على شكل آراء ومواقف، ليبثها أو ينشرها بالقناة القطرية التي تشغِّله، فأتصوّره عائدا لتوِّه إلى بلده “السّخي”، ينتظر دوره في طوابير الحصول على ” شربة” ماء وكسرة خبز يوميا، أو رطل لحم وعجائن أسبوعيا، فإني أدعو أصحاب الشفقة والإحسان للوافدين إلى المغرب، أمثال الدراجي، أن يتبيّنوا صدقهم ووفاءهم وصفاء نيتهم..
صوت “قِصْديري” وكفى..
