Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

طفل مسؤول في خمس خطوات!

سناء البوعزاوي
سنستهل مقالنا بقاعدة تربوية مهمة، “إذا أردت أن يعتمد ابنك على نفسه، فجرب أن تعتمد عليه حتى تعلمه الاعتماد على نفسه”!
إن محبة الوالدين للطفل وخصوصا حنان الأم الجامح على طفلها، تجعلها تساعده في كل شيء وتتحمل عنه كل أو جل المسؤوليات لكي تبعد عنه عناءها، فيصبح الابن غير متحمل مسؤولية نفسه التحمل الكافي، وغير معتمد عليها الاعتماد الواجب، فإذا كنت أصلا لا تعول عليه في شيء، فكيف إذن سيتسنى له تعلم الاعتماد على نفسه، إذا كنت أنت غير واثق في قدراته وإمكاناته، وكيف سيثق هو في نفسه، ويستشعر قدراته؟ وكيف ومتى سيضع لبنة استقلاليته في قضاء حاجياته؟
أول خطوة لإنجاح هذا النوع من الفكر التربوي هي أن يرفع المربي يده عن الطفل وعن مساعدته، وإفساح المجال له ليقضي مصلحته بنفسه ويتركه لينجز بعض أعماله بنفسه، ويكون بذلك الأب أو الأم بمثابة الصاحب والمرافق والموجه، سواء أكان في الدراسة أو المأكل أو المشرب، فإذا لم يستطع الوالدون الامتناع عن التدخل في كل صغيرة وكبيرة في شؤون أطفالهم ومصالحهم، وإعطائهم في بعض الأحيان والمواقف فرصة لممارسة حياتهم بأنفسهم، سيؤدي بهم ذلك إلى الاتكالية الدائمة، وإعاقة عن أداء الأدوار، فيكون بذلك حبا ضارا عوض أن يكون نافعا، وتكون الحماية مؤذية، عوض أن تكون في محلها وبالتالي يكون لا محالة خلل جسيم في تربية الطفل ونشأته.
الخطوة الثانية وبعد أن يقوم الطفل بأعماله أو ينجز واجباته، من الضروري أن نمدح قيامه بالسلوك الصواب منفردا، وتمدحه وتثني عليه أمام أجداده وأصدقائه أو الضيوف، كل هذا على مسمع منه، هذا الشعور بافتخار الوالدين يحفز له شعورا بالرغبة في العطاء أكثر وإثبات الذات.
الخطوة الثالثة وهي مركز تحقيق الذات، تكمن في توسيع دائرة المسؤولية، فبعد أن ينجح في استقلاليته وإتقان أعماله التي كانت تشاركه فيها أمه أو أبوه، ننتقل مع الطفل إلى تلقينه كيفية تحمل مسؤولية إخوانه، ثم دائرة جيرانه، ثم أقربائه، ثم دائرة الحي الذي يعيش فيه، حتى تتسع دوائر المسؤوليات وتتصاعد حتى يكون في المستقبل قادرا وقابلا لتحمل مسؤولية العمل والزواج والأبناء، فيصبح صرحه قويا لتحمل مشاكل إخوته أو مجتمعه، فيخرج من خصال الأنانية الذميمة إلى عالم المعاملات الإنسانية الراقية التي تجعل من الإنسان إنسانا، فيستشعر بذلك حلاوة قضاء حوائج الناس.
الخطوة الرابعة التي سنسميها المدمرة، ألا وهي تعنيف الأطفال الممتنعين عن تحمل المسؤولية حيث بعض الآباء بعد محاولاتهم المتكررة لجعل أبنائهم يتحملون المسؤولية، يمكن أن يأخذهم الانفعال إلى التعنيف أو الضرب! وهذا له لا محالة تأثير سلبي وانعكاس غير حميد على شخصية الطفل، حيث سيشعر بعدم الأمان واهتزاز الثقة وبالتالي كره تلك المسؤولية التي أدت إلى تعنيفه وجزره.
هذا لا يعني أن نطلق العنان لأطفالنا، فالحزم عنصر مهم في التربية لكن يجب أن لا نقرنه بالضرب والعنف، فعلى الآباء أن لا يتوقعوا أن يتحمل الطفل المسؤولية في الوهلة الأولى وإنما الأمر يأتي بالتدريج فالعش يبنى بقشة، وناطحات السحاب تشيد بحجرة، فلا بد من الهدوء والحلم وطول البال لإدراج وغرس مكارم الأخلاق، وصفات الوسطية والاعتدال مهمة جدا في حياة الفرد، لأن الدلال والتسامح الزائد لا يقل خطورة عن القسوة والصرامة… فهو يؤدي إلى الأنانية البغيضة التي تكلمنا عنها سالفا.
وأخيرا تجدر الإشارة إلى أمر مهم جدا، ألا وهو تحميل الطفل مسؤولية، أخطاء ارتكبها عمدا أو بتفريط منه، التي وقعت منه عن غير قصد، فلا يعاقب عليها أو بالأحرى فقط ينبه إليها بنبرة من الجدية وعدم الرضى، والأمر بأخذ الحيطة والحذر في المستقبل؛ فإذا تحمل مثلا مسؤولية غسل ألعابه التي تركها في الخارج فاتسخت، فلن يستطيع تركها مرة أخرى لكي لا يتكبد عناء غسلها لأنه مر بالتجربة. فنكون بذلك، نبني طفلا مسؤولا منذ نعومة أظافره، بتقديم التوجيهات والنصائح، وكظم الغيض عندما لا نرى نتيجة مرضية، والثناء والمدح عند عكس ذلك، فننتج رجل المستقبل غير اتكالي، مقبلا على الحياة بكل مسؤولياتها فنحن لا نعطي أبناءنا السمكة بل نعلمهم كيف يصطادونها.

Exit mobile version