Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

ظاهرةُ بيرلوسكوني في إيطاليا ومثيلتُها بالمغرب

محمد فارس
كان [بيرلوسكوني] ظاهرة متفرّدة في تاريخ [إيطاليا] السياسي، وقد وصل بماله وقنواته وثرواته إلى رئاسة الحكومة؛ [بيرْلوسْكوني] لم يكُن له تكوين في ميدان السياسة، ولا تجربة حزبية سابقة، ولكن كانت له أموال طائلة، وقنوات تلفزيونية عديدة في [إيطاليا] و[إسبانيا]، وقد وظّف كل هذه الوسائل في حملتِه الانتخابية، وأنفق أموالاً سخية في سبيل الظّفر برئاسة الحكومة وقد وصل، وكيف لا، كما قال [ڤيكتور هيجو] ذات يوم: [عندما يتحدّث المال، كل الأبواب تفتح].. كان الإيطاليون يتساءلون باستغراب: كيف وصل هذا الرّجل إلى سدّة الحكم، وهو لا علاقة له بالسياسة؟ حشد حوْله كلّ من ساعدوه في حملته، وجعل منهم وزراء، ومسؤولين بلا تجربة، وكان يرتكب أخطاءً في حق الشعب حتى لإنّ مواطنًا لطمَه على أنفه حتى النّزيف، وهوتْ [إيطاليا] إلى الحضيض بسبب سياسته الفاشلة، وحتى الاتّحاد الأوروبّي تَعجّب من هذا الرّجل الذي صار يمثّل عَصْر الدَّعارة السّياسِية في بلده؛ ورغم فشلِه وبهْلوانياته، كانت قنواتُه التّلفزية تشيد به، وتتغنّى بسياسته، وتُعْلي من إنجازاته الوَهْمية، وكانت حتى ملاعبُ الكرة ترفع صُوَرَه لأنّه كان يملك ناديًا كبيرًا في البلاد، ولكنّ الشعب بأحزابه القوية، ونقاباته، وبرلمانه تخلّصَ منه أخيرًا وإلى الأبد، وتلكم روعةُ الدّيمقراطية..
الظاهرة نفسُها التي عانى منها الشعب الإيطالي، تتكرّرُ في بلادنا، ولكنّنا لن نتخلّصَ منها نحنُ المغاربةَ، وذلك لأسباب عديدة، أبرزها هو غيابُ الأحزاب الحقيقية؛ وثانيها هو صوريَة المؤسّسات؛ وثالثُها هو ديمقراطية كلفْظة لاَ مقابل لها في الواقع ولا وجودَ لها كعقيدة وآلية.. فرئيسُ الحكومة الذي ابتُلينا به، نهجَ بمالِه وثروته نفس النّهج الذي اعتمده [بيرْلوسْكوني] في إيطاليا؛ فرئيس الحكومة كان خارج حزب الأحرار، فنادوه، وأمّروه عليهم وصيّروه زعيمًا لهم، ومِن هرمِ الحزب قفزَ إلى هَرم السّلطة في البلاد.. ولكن يجب أن نَعترف بأن لرئيس الحكومة إنجازات دَوَّنها له التاريخُ، أوّلُها هو أنّه تحكّم في اقتصاد البلاد، وضخّم ثرواته، حيث كان له وطيلة عشْر سنوات (المغرب الأخضر) بفلاحته، وغاباته، ومياهه، وكان له (المغرب الأزرق) بأسماكه، وبكلّ ثرواته البحرية، ومَن يتحكّم في الاقتصاد، يسهُل عليه التّحكمُ في البلاد بأسرها.. لقدِ استطاع رئيس الحكومة وهو وزير أن يَصْرع [بنكيران] بواسطة [البلوكاج]، فرفع [بنكيرانُ] الرّاية البيضاء معلنًا استسلامَه أمام صوْلة السيد [أخنوش]، كما صرعَ السّيد [العثماني] ودمّر حزبًا برُمّته حتى صار النهوضُ يبدو له مستحيلاً.. ومن بيْن انتصارات السيد [أخنوش] هو أنه قام بتصفية الصّحافة المستقلة، وجعل الصّحافة الـمُوالية تحت إبْطِه، وموّل مواقعَ إليكترونية تتغنّى باسمِه، وتشيد بسياسته؛ السيد [أخنوش] عزل مسؤولين من مناصبهم، وردّ مسؤولين إلى مناصبهم، واحتفظ بآخرين في قطاعاتِهم، كما أعادَ إلى البرلمان رئيسًا سابقًا ووزيرًا فاشلاً متابعًا قضائيا في ملفات فساد، والفسادُ مطلوبٌ ومرغوب في السّياسة الحالية التي تحكُمها (الشّكارة) بسبب غياب الديمقراطية الحقة، وصدق من قال: [بِالمال ولاّوْ رجال]..
ذات يوم قال السيد [أخنوش] إنه سيُعيد تربية المغاربة، ولم تكنْ مُزْحَة، بل كانت وعدًا قطعه على نفسه، وفعلاً ربّانا بطريقته، واستعمل المحروقات التي هو أحدُ أباطرتها، فأحرق جلودنا بها وجعل البلادَ على حافة شللٍ تام، وأشاع جوّا من عدم الاستقرار في الأنفُس، والمغاربة يعيشون اليوم اضطرابات نفسية وإن كان الظّاهرُ يوحي للناظِر بعكس ذلك.. لم يعرفِ المغربُ رئيسَ حكومة له كلّ هذه الصّوْلة والقوّة، وسيزداد استبدادُه مع الزمن، وكلّما طال مقامُه على رأسِ الحكومة، تفاقمَ بطشُه، وطغى ظلمُه، وليس لنا والله إلا الصّبر.. فلا يغرنّكم [هاشتاغ] أو [Blablablas] في المواقع، والله لوِ اجتمع الإنسُ والجنّ، لما خلعوا رئيسَ الحكومة من منصبه؛ فهو يعْرف أنّ الشعب مقهور، كما يَعي تمام الوعي الحالةَ السياسية المتردّية في البلاد، ويَعْرف غياب الأحزاب القوية، ويَعْرف صوريةَ المؤسّسات وخواءَها، وسيزداد رئيس الحكومة عُتوّا ونُفُورًا، وشدّةً وجوْرًا، وسيعاني الشعبُ فقرًا وقهرًا وسيشتكي الفقرَ غادِينا ورائِحُنا ونحن نمشي في أرضٍ من الذّهب.. ففي المغرب شرفاء، وصلحاء، وعليهم في كلّ صلواتهِم التّضرع إلى الله عزّ وجلّ مع ترديد: اللّهمّ لا تسلِّطْ علينا مَن لا يخافُكَ ولا يخشاكَ ولا يرحَمنا عسى الله يَسْتجيب لِدُعائِهم..

Exit mobile version