قال الرئيس الأول لمحكمة النقض، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، محمد عبد النباوي، اليوم الثلاثاء بالرباط، إن المجلس “من موقعه كشريك مؤسساتي في بناء دولة الحق، باشر تنزيل رؤيته الاستراتيجية لتجويد العمل القضائي في المنازعات الإدارية”.
وأوضح السيد عبد النباوي، في كلمة خلال الجلسة الافتتاحية للمناظرة الوطنية الأولى حول “تدبير منازعات الدولة والوقاية منها، مدخل لصون المشروعية واستقرار الاستثمار وترشيد النفقات العمومية”، أن من أبرز محاور هذه الرؤية التخصص القضائي في المادة الإدارية، من خلال دعم تكوين القضاة في هذا المجال الحيوي؛ وترشيد الآجال وتحقيق النجاعة في معالجة الملفات، بما لا يخل بضمانات المحاكمة العادلة؛ ونشر الاجتهادات القضائية النموذجية لإرساء الأمن القانوني وتوجيه الفاعلين الإداريين نحو أفضل الممارسات.
وسجل السيد عبد النباوي، في كلمته التي تلاها بالنيابة عنه الأمين العام للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، منير المنتصر بالله، أنه “لا يمكن الحديث عن ترشيد منازعات الدولة دون التوقف عند أثر هذه المنازعات على الاستثمار”، لافتا إلى أن “عدم الاستقرار القانوني، وتعدد التأويلات، وطول أمد التقاضي، كلها عوامل تضعف من جاذبية المملكة أمام المستثمرين، خاصة في المشاريع الكبرى ذات الأثر الهيكلي”.
ومن هذا المنطلق، يضيف السيد عبد النباوي، فإن مشروع المخطط الاستراتيجي للوكالة القضائية للمملكة 2024-2028، يعد خطوة جريئة نحو عقلنة تدبير هذه المنازعات، “حيث لمسنا فيه حرصا على الاستباق القانوني عبر خلية اليقظة القانونية؛ ورغبة في توحيد الرؤية القانونية بين مختلف القطاعات الحكومية؛ واهتماما بخلق قنوات فعالة للتواصل مع القضاء، في احترام تام لاستقلاله”.
وثمن في هذا الصدد، إحداث المنصة الرقمية “مواكبة” ومركز النداء القانوني، كأداتين عمليتين لتوفير الرأي القانوني قبل نشوء النزاع، بما يعكس تحولا نوعيا في منطق التدخل المؤسساتي من منطق الدفاع إلى منطق الوقاية.
كما أكد أن منازعات الدولة أضحت اليوم أحد أبرز مظاهر التوتر القانوني والمؤسسي، “والتي تعكس في جزء منها اختلالات في التخطيط، أو ضعفا في المواكبة القانونية، أو نقصا في التنسيق بين الأجهزة المتدخلة”.
وأبرز السيد عبد النباوي أن الأرقام تشير، حسب معطيات الوكالة القضائية للمملكة، إلى أن الدولة المغربية تعد طرفا في ما يناهز 60.000 قضية سنويا، تتعلق أغلبها بمنازعات مسؤولية، وعقود إدارية، وتنفيذ استثمارات أو منازعات الشغل.
وتابع بالقول إنه “يكفي أن نعلم أن ثلثي هذه القضايا لا تصل إلى الوكالة القضائية إلا في مراحل متأخرة، مما يحرمها من ممارسة دورها الاستباقي ويؤدي إلى تحميل الدولة أعباء مالية ثقيلة، بلغت سنة 2023 نحو 3.5 مليار درهم، كان من الممكن تفادي نسبة كبيرة منها عبر الوقاية القانونية، لاسيما وأن 70 بالمائة من المنازعات العقارية والإدارية تتعلق بعدم التطابق بين القرارات الإدارية والنصوص القانونية، مما يؤكد ضرورة تعزيز المواكبة القانونية للإدارات”.
وأمام هذا الواقع، أشار إلى أن الرهان لم يعد فقط هو التدبير الدفاعي للمنازعات، بل أصبح من اللازم الانتقال إلى مرحلة جديدة قوامها الوقاية، والمواكبة القانونية.