Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

عبد النباوي يرصد التكامل بين القضاء و الصحافة

شدد محمد عبد النباوي الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، على أن ” تعرُّف القضاة على مهام الصِّحافيين، مُفيد لهم في تطبيق المقتضيات القانونية المتعلقة بالصِّحافة، كما أن تعرُّف الصِّحافيين على المهام القضائية مُفيد للإعلاميين في تحليل الإجراءات القضائية والتعليق على الأحكام، ومن هذا الموقف يرحب المجلس بكل المبادرات الجادة للدراسة والتكوين في هذا المجال بالنسبة للقضاة وللصِّحافيين على السواء، وأضاف عبد النباوي، خلال كلمته بالمؤتمر الإقليمي المنظم من طرف اليونسكو “UNESCO” لفائدة قضاة المنطقة العربية، صباح اليوم الثلاثاء ” ولئن كان يبدو أن مهنةَ القضاء ومهنةَ الصِّحافة متعارضتين، فإن الحقيقة غير ذلك، لأنهما متكاملتان في حماية المجتمع والنظام العام، ولا تسمح إحداهما للأخرى بالتجاوز، وكل واحدةٍ ترصُد سير الأخرى وتمنعه من الزلل والسقوط، فالقاضي – بمقتضى الفصل 117 من الدستور – مؤتَمَنٌ على حماية حقوق الأشخاص وحرياتهم وأمنهم القضائي، كما أن الصِّحافي عَيْنُ المجتمع على الأحداث، يبحث عنها ويتحرى بشأنها ويوثقها وينشرها للعلن، كما أن كلا المهنتين تكُون مادةً لأداء الأخرى، فالصِّحافة تتابِعُ أبحاث وأحكام القضاء وتنْقُلها للناس، لتكون لهم أخباراً ذات عِبَر، والقضاءُ يَلتقط بعض الوقائع التي تنشرها الصِّحافة لفتح أبحاث وتحقيقات، قد تنتج عنها محاكماتٍ، تُصبح بدورها مادةً خبَرِية وأحاديثَ ذاتِ عِبَر لمن يعتبر.
و وصف محمد عبد النباوي الرئيس المنتدب للمجلس الاعلى للسلطة القضائية ، “الصحافة بمهنة الشرف، قائلا ” وبهذا استحقت أن تحمل لقب السلطة الرابعة في العرف المجتمعي، ولذلك فالصِّحافي مطوّق بالتزامات قانونية والتزامات أخلاقية، تجعل حريتَه رقيباً عليه، والمسؤوليةَ مناطاً لمهنته، كما أكد ذلك جلالة الملك في الرسالة السامية الموجهة لأسرة الصحافة والإعلام بتاريخ 15 نونبر 2002، حيث قال جلالته حفظه الله : ” … الحريةُ والمسؤوليةُ هما عماد مهنة الصِّحافة ومنبعُ شرفها … وأنه لا سبيل لنهوض وتطور صِحافة جيدة دون ممارسةٍ لحرية التعبير … شريطةَ أن تمارس الحرية في نطاق المسؤولية”.
وشدد عبد النباوي، خلال كلمته بالمؤتمر الإقليمي المنظم من طرف اليونسكو UNESCO لفائدة قضاة المنطقة العربية، صباح اليوم الثلاثاء، على أنه ” لئن كانت الصِّحافة تؤدي دورها داخل المجتمع، في نقل الأخبار الصحيحة والكشف عن التصرفات الضارة، والإعلان عن المبادرات الحسنة. كما تشكل سيفاً مسلطاً على المخالفين للقانون بواسطة تحرياتها وتحليلاتها وتعاليقها. فإن القضاء يقوم بدور المحافِظ على التوازن بين الحقوق والواجبات. وهو مدعو لحماية الصِّحافة والمحافظة على حريتها، وعلى حقها في الوصول إلى مصادر الخبر وفي حماية مصادره المشروعة. ولكنه يقوم كذلك بحمايةِ حقوقِ الأشخاص وأعراضِهم من بعض التجاوزات التي تتم عن طريق الصِّحافة. وكذلك حماية الأمن والنظام العام من بعض الممارسات الصِّحافية التي تُحرِّض على الجرائم أو تُشِيد بها، أو تدعو إلى التمييز والعنصرية، أو تَمَسُّ بالأخلاق العامة، وغيرها من المواضيع التي اعتبرها القانون جرائم.
واعتبر عبد النباوي، أنه ” إذا كان نجاح الصِّحافة في مهامها يُقاس على أساس صحة الأخبار التي تنشرها، وعلى أساس السَّبْق الصِّحافي في تناول ذلك الخبر، فإن تفوق القضاء في مهامه يقاس على أساس نجاحه في إقامة التوازن بين حقوق الصِّحافيين وحقوق الأغيار الذين يُكوِّنُونَ مادةً صِحافية، وعلى أساس الفعالية والنجاعة في رد الفعل القضائي.
وأضاف عبد النباوي، وإذا كانت حرية الصحافة لم تَعُدْ مَحَلَّ جِدال في المجتمع اليوم. بل إنها تُعَدُّ أهم صور حرية التعبير ومؤشرها الأساسي، ويتم تصنيفها كسلطة رابعة، فإن النقاش المجتمعي والقانوني والحقوقي ينصرف إلى تحقيق الملاءمة بين حرية الصحافة والرأي والتعبير من جهة، وبين الحقوق الأساسية المخولة للأفراد وللمجتمع بمقتضى المواثيق الدولية لحقوق الإنسان والدساتير المتقدمة، ومن بينها دستور المملكة من جهة أخرى، ذلك أنه إذا كان من حق الأفراد أن يعبروا عن آرائهم بحرية وبمختلف شكال التعبير الشفوية أو الكتابية أو غيرها، فإن هذا الحق مقيد بمقتضى المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية بواجبات ومسؤوليات خاصة يضعها القانون متى كانت ضرورية لحماية حقوق أو سمعة الأشخاص الآخرين، أو لحماية الأمن الوطني أو النظام العام أو الصحة أو الأخلاق العامين، ولذلك فإن الدستور المغربي الذي أقر حرية الرأي والتعبير والصحافة قد أوكل للقانون تنظيمها.
وأفاد عبد النباوي، أنه إذا كانت حرية الصحافة قد أقرها الدستور ومنع كل مراقبة قبلية على مضمونها، فإن تنظيم ممارستها بواسطة القانون يستهدف حماية حقوق وحريات الأفراد. والنظام العام بتجلياته الثلاث المتعلقة بالأمن العام والأخلاق العامة والصحة العامة، وهكذا فقد حدد القانون رقم 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر مدلول “الصحافة” في كونها مهنة جمع الأخبار والمعلومات أو الوقائع، ثم التحري أو الاستقصاء عنْها بطريقة مهنية، من أجل كتابة أو إنجاز مادة إعلامية كيفما كانت وسيلتها والدعامة المستعملة لنشرها (المادة 2″، ويستخلص من هذا التعريف أن مهنة الصحافة هي نشر الأخبار بعد التحري عن صحتها بطريقة مهنية. وزيادة في التأكيد على ذلك، عهد القانون لمدير النشر تحت مسؤوليته الشخصية، بالتحقق من صحة الأخبار والتعاليق أو الصور وغيرها قبل نشرها (المادة 17). وبذلك فالصحافة تعتبر مهنة نبيلة، باعتمادها في نقل الأخبار ونشرها على تحريات وصفها القانون بالمهنية، أي بالجدية والاحترافية، التي تتلافى نشر الإشاعات والأخبار غير المحققة. ومن تَمَّ قيل أن الخبرَ مقدّسٌ والتعليقَ حرٌّ، مضيفا ولذلك فإن القانون يعاقب على القذف والتشهير والسب، ونشر النبأ الزائف إذا أضر بالنظام العام. لأن مهنة الصحافة ليست هي الإساءة لأعراض الناس والتشهير بهم، ولا اختلاق الأخبار ونشر الإشاعات، وتابع عبد النباوي، كما أن كون الصحافة هي مهنة جمع الأخبار، فإنها تؤهل الصحافي للحصول على الأخبار والمعلومات من مصدرها، إلاَّ ما استثناه القانون من معلومات وأسرار، ولذلك فقد نص الدستور على الحق في الحصول على المعلومة.

و أكد مولاي الحسن الداكي الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة بمناسبة المؤتمر الإقليمي المنظم من طرف اليونسكو UNESCO لفائدة قضاة المنطقة العربية، أن تعزيز دور القضاء في تحسين وتطوير حرية التعبير في المنطقة العربية، أصبح مسألة استراتيجية في ظل مناخ عالمي موسوم بطابع حماية الحقوق والحريات. وما يزيد الأمر أهمية هو أن المنطقة العربية كانت ولاتزال محط العديد من التقارير الدولية التي تناولت وضعية حقوق الإنسان عموما وحرية التعبير على وجه التحديد. وهو الأمر الذي يجعلنا نفكر عميقا في الأدوار التي يجب على القضاء أن يتولى القيام بها من أجل المساهمة في تنزيل السياسات العمومية المتعلقة بتعزيز الحريات في مقدمتها حرية التعبير.
وقال الداكي ولا يخفى عليكم أن النيابة العامة باعتبارها مكونا هاما من مكونات السلطة القضائية، تجد نفسها في صلب هذا النقاش، إذ أنها تعتبر الواجهة الأمامية في تدبير الشأن الحقوقي على المستوى القضائي، فما تملكه النيابة العامة من آليات ووسائل يجعلها تتدخل بشكل مباشر أو غير مباشر في هذا المجال، باعتبارها ضامنا أساسيا لممارسة الحقوق والحريات من منطلق دورها في تنفيذ السياسة الجنائية.
وشدد الداكي، أنه ووعيا من رئاسة النيابة العامة بضرورة الإسهام الفعلي في حماية حقوق وحريات الأفراد المكفولة بمقتضى الدستور واستحضاراً منها للدور المنوط بقضاتها في هذا المجال، بادرت بتنسيق مع المجلس الأعلى للسلطة القضائية إلى وضع برنامج غير مسبوق خاص بالتكوين في مجال حقوق الإنسان يستهدف تعزيز قدرات القضاة في مجال تملك المعايير الدولية لحقوق الإنسان المنبثقة عن الاتفاقيات الأساسية التي صادقت عليها بلادنا، ولقد انصب هذا البرنامج على عدة محاور همت بالأساس الحقوق والحريات الأساسية بما في ذلك حرية التعبير، بالإضافة إلى الإطار المؤسساتي الوطني لحماية حقوق الإنسان وفي مقدمة ذلك دور القضاء في مجال حماية الحقوق والحريات.

Exit mobile version