Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

على مَن يجب أن يُلقى اللّومُ بخصوص هذا الفساد؟

محمد فارس

نعود في هذه المقالة إلى موضوع [الحرام] الذي تريد فرضَه [فرنسا] على المسلمين بمنْع كلّ ما هو [حلال] حتى يَقتاتَ الكلُّ [جيفةً]، وهو كلّ لحمِ ذبحٍ لم يُذْكر عليه اسمُ الله عزّ وجلّ؛ لكن في الإسلام حلٌّ لهذه المعضلة التي يعاني منها مسلمو [فرنسا]، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سُئِل عَن لحْمِ ذبيحةٍ لم يُذْكر عليها اسمُ الله، فأجاب عليه الصلاة والسلام: [اذكروا عليه أنتم اسْمَ الله].. هذا كحلّ لما أهلّ لغيْر الله، لكنْ لـ[الجيفة] صورٌ أخرى عديدة، وفدَتْ إلينا من [فرنسا]، وشاعت بيْننا كتفتُّح، وقِيَمٍ، وأخلاقٍ جديدة مُبْتدعة؛ كيف ذلك؟ ترى الواحدَ منا يحرصُ على أكلِ مذبوح ذكِر عليه اسمُ الله، ولكنّه في المقابل يَقرُب [جيَفًا] أخرى: فالذي يستعين بأهل الكفر على أهل الإيمان، ويخون بلدَه خدمةً لجهات أجنبية مقابِل أجرٍ أوِ امتياز، أفَلا يقتات جيفةً؟ وذاكَ الذي يكْذب على الشّعب لينال أصواتَه بهدف ولوج قبّة البرلمان ليأكل سُحْتًا، أفلا يَقتات جيفةً؟ وذاك الذي يتعاطى الرّشوة، ويحسّنُ بها أحوالَه، أفلا يقتاتُ جيفةً؟ وذاك الذي يأكل من أموال الريع، أو يسرق أو يختلس أموال الدّولة فيصير بها من أثرياء البلد، أفلا يقتات جيفةً؟ وذاك الذي يتقاضى الملايين شهريًا من أموال الدولة وغيرُه يبيتُ على الطّوى في الشارع أو في المزابل، أفلا يَقتاتُ جيفةً؟ وذاك الذي ادّعى مُحاربة الفساد والريع، ثمّ سالمَ الفاسدين، وضربَ قوتَ المتقاعدين، فصار اليوم ينْعم بتقاعدٍ سمين لا حقّ له فيه، أفلا يقتاتُ جيفةً؟ وذاك الذي يتعهّد بمحاربة الرّشوة والغشّ، وهو يمارسهما خلْسةً، أفلا يَقتات جيفةً، يعني يَقتات حرامًا دينًا وعقلاً؟ قال الله عزّ وجلّ إن هؤلاء يأْكلون في بطونهم نارًا، لكنّهم لا يَشعرون.. هذه كلّها جِيَف وكلّها حرام في الإسلام..
رأى النّسر النبيل غُرابًا يقتاتُ جيفةً، فنزل من الجوّ وسأَل الغرابَ قائلاً: قُلْ لي، لماذا تعيش أنتَ قرنًا من الزّمَن، فيما أنا لا أعيش رُبْعَ هذه الفترة؟ فأجابه الغرابُ قائلاً: أنا يا صديقي لا أقتات إلاّ جيفةً، وأنت تَقتات ممّا تصطادُه بنفسك، فافْعل مثْلي وأنتَ ستُعمِّر طويلاً.. فقرّر النّسر النبيلُ أن يَقتات جيفةً تمشيًا مع نصيحة الغراب؛ ولكنْ بعد ثلاثة أيام، توقّف عن أكل الجيفة، حيث تقزّزتْ منها نفسُه، فرآه الغرابُ ونزَلَ وسأله: كيفَ وجدتَ أَكل الجيفة أيّها النسرُ النّبيل؟ فأجابه النّسرُ: لقد كرهتُ أكْل الجيفة، وعدتُ إلى حياتي الطبيعية.. فقال الغراب: ألا تريد أن تعيشَ قرنًا من الزّمن مثْلي؟ فأجابه النّسرُ قائلاً: إنّه لخيرٌ لي ألْفَ مرّة أن أطعَمَ حلالاً وأعيش ليومٍ واحد فقط، بدلاً من أن آكُلَ جيفةً وأُعمِّر مائةَ سنة..
فأكل الحلالِ طُهْر، وصحّة، وبدَن سَليم، وعَقْل راجح، وذُرّية صالحة.. وأما الحرامُ، فهو خبثٌ، وأمراض، وبدَنٌ سقيم، وعقْلٌ قاصِر، وذُرّية فاسدة؛ وهذه المحرَّمات هي أفظع وأنْكى من أكْلِ ما أهلّ لغيْر الله، وإذا كنتَ مضطرّا، فاذْكُرْ عليه اسم الله؛ لكن ماذا عساكَ تَفعل بخصوص حرام كالرّشوة، والسّحت، والرّيع، وأكْل أموال الأمّة بالباطل؟ نحن ننتقد [فرنسا] الـمُلحدة، عدوّة الإسلام والمسلمين على محاربتها لكلّ ما هو حلال مِن أكل، وزواج، وغير ذلك، وإباحتها لكلّ حرام من زِنا، وشذوذ جنسي، وزنا المحارم؛ لكن ماذا عسانا نَفعل نحن تجاه الحرام الذي نتعاطاه من كَذِب، ورشوة، وسُحْت، وريع، وغِشّ، وتَحايُل، ومَكْر، وخداع، وقسْ على ذلك؟ نحن لا نُنْكر أنّ كل هذه المحرّمات والمفاسد من أكاذيب، وخيانات، ولا أخلاقيات، وعمالات للأجنبي، كلّها إرثٌ وترسُّبات تركها الاستعمار، وخلّفَ وراءَه من يكرِّسها، وينشرها، ويذود عنها تحت مسمّيات خادعة، لكن مَن هُم هؤلاء الذين يوالون الاستعمار أكثر من مُوالاتهم لأمّتهِم؟ إنّهم عملاءُ [فرنسا] ببلادنا، حيث صيَّروا المحرّمات تفتّحًا، وحداثةً، وصارتِ المناكرُ حرّيةً، وقيَمًا، وتَحضُّرًا.. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: [سوْف تتْبعون أهْل الكُفر شِبْرًا فشبْرًا، ثم ذِراعًا فَذِراعًا، حتى إذا دخلوا جُحْرَ ضَبٍّ دَخلتُموه]؛ ونحن اليوم، دخَلنا جُحْرَ [فرنسا]؛ فاللّومُ يجب أن يُلقى علينا وقد سمحْنا لعملاء [فرنسا] بأن يعيشوا في البلاد فسادًا، ويَنشُروا الرّذائلَ، هؤلاء قال فيهم الشاعر قولاً صريحًا:
[قومٌ همُو شرّ خلقِ الله قاطبةً * وأخْبَثُ النّاسِ في الدّنيا وفي الدّينِ..
همْ في الظّواهرِ زُهّادٌ أولُو وَرَع * وفي البواطِنِ إخْوانُ الشّياطيـنِ..
يُحَرِّمون الذي حلَّ الإلاهُ لهم * ويَسْتَبيحون أموالَ المساكين..
يا بِئْسَ ما فعلوا، يا بِئْسَ ما تَركوا * وهُمُ اليومَ يُعَدّونَ فينَا بالملاييـنِ.]

Exit mobile version