Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

(عمّار بن ياسر) ابن سُميّة تَقتُله الفِئَة الباغِيَة

محمد فارس
كان [عمّار] ابنًا لياسِر وسُميّة، اللذين خاطبهُما رسول الله صلى الله عليه وسلم وقْت الشّدة قائلا لهما: [صبْرًا آلَ ياسر، فإن موْعدكُم الجنة]؛ لقد كان عذابُ [آل ياسِر] فادحًا ورهيبًا، ومات [ياسِر] وزوجتُه [سميّة] شهيديْن، وتعرض [عمّار] نفسُه للعذاب، ولقد وصف أصحاب [عمار] ذلك العذاب، فيقول [عمْرو بن الحكَم]: [كان عمّار يُعذّب حتى لا يدْري ما يقول]؛ ويقول [عمرو بْن ميْمون]: [أَحرق المشركون عمار بْن ياسر بالنار، فكان رسول الله يمرّ به، ويُمِرُّ يدَه على رأسه ويقُول: يا نارُ كوني بردًا وسلامًا على (عمّار)، كما كنتِ بردًا وسلامًا على إبراهيم].. صمَد [عمّار] حتى حلّ الإعياءُ بجلاّديه، وارتدُّوا أمام إصراره صاغرين.. أخذ [عَمّار] في المجتمع الإسلامي مكانا عليّا، وكان رسول الله يحبُّه حبّا عظيمًا، ويباهي بإيمانه وهديه، وحين وقع سوءُ تفاهُم عابر بين [خالد بن الوليد] وبيْن [عمّار]، قال الرسول: [منْ عادى عمّارًا، عاداهُ الله، ومن أَبْغَض عمارًا أبغضَه الله]، ولم يكن أمام [خالد] إلا أن يسارع إلى [عمّار] معتذرًا، وطامِعًا في صفحِه الجميل..
لـمّا ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى، واصلَ [عمار] زحْفه، ففي لقاء المسلمين مع الفرس، والروم، ومن قبْلُ في لقائهم مع جيوش الرّدة، كان [عمار] هناك في الصف الأول دومًا، جنْديا باسلاً، ومؤمنًا ورِعًا، لا تأخذُه عن الله رغبة.. ولاّه [عمرُ بن الخطاب] ولايةَ [الكوفة]، وجعل [ابنَ مسعود] على بيت المال، وإنّهما لـمِن النّجباء، من أصحاب [محمد]، ومن أهل [بدْر]؛ لقد زادته الولايةُ تواضُعًا، وورَعًا، وزُهدًا.. يقول [ابن أبي الهُذَيْل]: [رأيتُ (عمار بن ياسر) وهو أميرُ (الكوفة)، يشتري من قِثّائها، ثم يربطها بحبل ويَحْمِلها فوق ظهره ويمضي بها إلى داره].. كان [حذيفة بن اليمان] وهو يُلقي بآخر كلماته: [عليكُم بابْن سُميّة، فإنه لن يُفارق الحقّ حتى يموت]. و[حُذيفة] خبير بالسّرائر، والقلوبِ، وعدوُّ النّفاق..
كان [عمار] يشارك في بناء مسجد، وسقطَ جدار كان يعمل تحته، فيظنّ بعض إخوانه أنّه قد مات، فيذهب يَنعاهُ إلى رسول الله، لكن الرسول عليه السلام يقول في طُمأنينة: [ما ماتَ عَمار، تقتلُ عمّارًا الفئةُ الباغية]، فمن تكون هذه الفئة يا ترى؟ سنَعْرفُها بعد قليل، ولكن لابدّ من الإشارة إلى أن [عمارًا] كان قوي البنية، صادق اللّهجة، ويتّسم بشجاعة أدبية نادرة، ولا يخْشى في الله لومةَ لائم؛ كان يقول كلمة الحق مهما كان مقدارُ ومرتبة من تُقال له.. تنشب حرب [الجمل]، فيخطبُ [عمار] في المسجد، فيقول: [إن الله ابتلاكُم بأُمّكُم، ليَرى أيُّهما تطيعون، أُمّكم أمْ رَبَّكم].. وخرج الإمام [عليّ] كرم الله وجهه ليواجهَ العمل الخطير الذي اعتبره تمرُّدًا، وخرج معه [عمار]، وقد بلغ من العمر [93] سنة.. وتنشب معركة [صفّين]، ولقد تبع الناسُ [عمارًا] وآمنوا بصدق كلماته، ويومَ [صفّين]، يقول [أبو عبد الرحمان السّلمي]: [شهدنا مع (عليٍّ) صفّين، فرأيتُ (عمارًا)، لا يأخذ في ناحية من نواحيها، ولا وادٍ من أوديتِها، إلاّ رأيتُ أصحاب (محمد) يتْبعونَه كأنّه علمٌ لهم]..
ثم يندفع [عمار] كقذيفة عاتية صوْب مكان [معاوية] ومَن حوله من الأُمويين، ويرسلُ صياحَه عاليًا، مدمْدِمًا: [لقد ضربناكم على تنْزيلِه * واليوم نضْربُكم على تأْويله.. ضربًا يُزيل الهامَ عن مقيلهْ * ويُذهل الخليل عَن خَليلِهْ.. أو يَرجع الحقُّ إلى سَبِيلهْ].. وخلال المعركة، وظّف الأمويون فارسًا كان يجيد رمْيَ الحَربة للغدْر، وكان هذا الغادرُ هو [أبُو الغادية] الملعون، وقام باغتيال [عمار] غدرًا أثناء معركة [صفّين]، وشاع خبرُ موْت [عمار]، وألقَوْا باللاّئمة على الأمويين، ولم يَكَدْ [معاويةُ] يسمع الخبرَ، حتى خرج يُذيع في الناس أن هذه النّبوءَة حقّ، وأن رسول الله تَنبّأَ حقّا بأن [عمارا] ستقتله الفئةُ الباغية، وإن الذين قتلوه، هم من أخرجوه من بيته؛ أما [عمار] فقد حمله الإمام [عليّ] فوق صدره إلى حيث صلّى عليه المسلمون معه، ثم دفنه في ثيابه.. أما [أبو الغادية] الذي غَدرَ بِـ[عمار]، فقد كان يقف أمام باب القصر، فيقال له: [من أنت؟]، فيجيب: [قاتِلُ (عمار) بِالباب]، فيُفتح البابُ ويُقال للغادر بِعمّار: [أهلاً بأخينا في الله]. كان [عبد الله بن عمْرو بن العاص] كلما فرغ من صلاته، كان يلطُمُ على خدِّه ويقول في ندمٍ وشدّةِ حسْرة: [ما لي وصفّين، ما لي وصفّين]، وخاصة عندما يتذكر قَول رسول الله: [ويْحَ ابْن سُميّة، تَقتُلُه الفِئةُ الباغية]؛ وقد قتلتْهُ فِعْلاًِ.

Exit mobile version