إدريس عدار
ما زلت مصرا على أن الموضوعية مجرد وهم تم اختراعه من أجل تمرير المغالطة. فتحت عنوان الرأي والرأي الآخر يتم تمرير الرأي الذي يراد له أن يشيع بين الناس. ومن يدفع يتحكم. الرأسمال حاكم قوي وسلطة السلط التي تسيطر على الجميع.
لا أدعي أني تابعت الصحافة الفرنسية بشكل دقيق خلال الأحداث الأخيرة، ولكن على الأقل ما هو مكتوب منها كنت أطلع عليه. في الأغلب الأعم ترى رأيين مختلفين حول القضية.
بعض الانزياحات لم أفهمها. مثلا تركيز العديد من وسائل الإعلام الفرنسية على صفة تم إلصاقها لصقا بوالدة الضحية نائل وهي “الأم العازبة”. هذا التصنيف في دولة ليبيرالية يعتبر تحقيرا. ماذا أرادوا أن يقولوا؟ “ما عندوش باه اللي يربيه” مثلا. أو أن “الأم العازبة” خارجة عن الطريق المستقيم.
ما يهمنا هنا هو أن الإعلام الفرنسي في أغلبه استعمل مفردات متشابهة. تسمية المحتجين بالمشاغبين والمخربين. ينقلون رأي والدة الضحية وأقاربه كما ينقلون آراء مختلفة.
لما كتبت في العنوان “عندما تُفرض الموضوعية على الصحافة الفرنسية”؟
في كثير من القضايا بل في أغلب القضايا كان الإعلام الفرنسي منحازا لوجهة نظر واحدة. لنبدأ بالحرب الروسية الأطلسية في أوكرانيا. الإعلام هنا منحاز لأوكرانيا وزيلنسكي. وأظهر خفة في التعاطي مع الأحداث بعد التمرد الفاشل لفاغنر. هذه القوات الخاصة تحولت من منظمة إرهابية إلى أداة لتحرير روسيا من الهيمنة وفي المساء بعد أن اتّضع بريغوجين وأعلنت روسيا أن فاغنر ستواصل مهامها مع تعديل في وضعها القانوني انقلب الإعلام الغربي والفرنسي منه ضدها.
قبل سنوات كتبت مقالا تحت عنوان “إرهابيون في بروكسيل ثوار في سوريا”. بعد عملية تفجيرية قامت قيامة الناس وعبر مغاربة كثيرون عن تضامنهم مع عاصمة الاتحاد الأوروبي. طرحت سؤالا حينها: لماذا لا تتضامنون مع شعب قدم إليه الإرهابيون من 83 بلدا؟
الشيء نفسه ينطبق على الإعلام الفرنسي اليوم. هو إعلام غير موضوعي لكن مفروض عليه أن يكون كذلك. من يسميهم مخربين ومشاغبين يسميهم في بلدان أخرى محتجين حتى لو حملوا السلاح. ما يسميه أعمال عنف في باريس وضواحيها يسميه في بلدان أخرى ثورة ومعارضة.
الأمر يهم فرنسا وداخلي، يقتضي حوارا بين كافة مكونات المجتمع الفرنسي ولهذا يتم نقل كافة الآراء، لكن هناك صورة يتم ترسيخها من خلال النشرات والمقالات هي نوعية الفاعل في الأحداث الأخيرة.
لكن نغمة نقل الآراء المختلفة تنعدم لما يتعلق الأمر بالخارج. منظمات تكفيرية تحمل السلاح وتقتل الناس تصفها هذه الصحافة بالمعارضة أو بالمعارضة المسلحة إن كانت أكثر دقة. يعني تضفي عليها مشروعية. وفي خضم تصفية الحسابات يمكن لقناة فرنسية أن تستضيف زعيما لمنظمة إرهابية بالساحل والصحراء. لا يلومها أحد وهي تسوق للإرهاب.
عندما تُفرض الموضوعية على الصحافة الفرنسية
