Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

عن أيّة جامعة عربية يتحدّثون وأيُّ مؤتمر ينتظرون؟

محمد فارس
سوف نتحدّث في هذه المقالة عن ضريح مُتهالك من أضرحة القرون الغابرة، وأعني به [الجامعة العربية] أو كما يسمّيها المؤرّخون [جامعة النّحاس باشا]، ولكنّ السّؤال هو معرفة السِّر في تسْمِيتها بهذا الاسم.. والجامعةُ العربيةُ سابقة على انطلاق [هيئة الأمم المتّحدة]؛ ففي خطاب (29 ماي 1941) المعروف بخطاب [بمانْشنماوسْ] الذي ألقاه [أنطُوني إيدَن] حيث دعا فيه إلى ضرورة خلقِ جامعة عربية، فتَبنّى هذه الدّعوة [باشا النّحاس] والذي يعلمُ الجميع ارتباطاتِه مع الاستعمار الفرنسي، فنلاحظ كيف أن هذه الجامعة تعود إلى الإدارة التي حاول الغربُ أن يَرسُمها لها، ولذلك شُلّت وماتت ونُقِلتْ إلى مثواها الأخير، وبقي ضريحُها الذي نترحّم فيه عليها وننظّم طقوسًا تسمّى مؤتمرات عربية إحياءً لذكراها، لذلك نخرج دائما بمؤتمرات ميّتة، تخرج من رحمِ جامعة ميِّتة طيلةَ سنين..
وقبل الهجمة الأخيرة لإسرائيل على الأراضي الفلسطينية، أقام الفلسطينيون صلاةَ الغائب في [القدس] ترحُّمًا على الجامعة العربية الفقيدة، والملاحظ، أنه منذ رئيس الجامعة العربية، المصري [عبد الخالق سَحُّونة]، كان كلّ رؤسائها مصريين، باستثناء رئيس واحد هو [الشّاذلي القَليبي] التّونسي، الذي تمّت إزاحتُه، ونُقِل مقرّ الجامعة من [تونس] إلى [القاهرة] لتكونَ تحت تصرُّف الرئيس [حُسْني مُبارك] ليُوظّفها في [حرب الخليج] ضدّ [العراق]، وهو ما تمَّ في (10 أغسطس 1990)، حيث صوّتتِ الجامعةُ العربيةُ لدخول (33) دولة إلى الأراضي العربية، وكان ذلك المؤتمرُ المنعقد في [القاهرة] هو أول مؤتمر وآخِر مؤتمر يخرُج من الجامعة ويَكون نافذَ المفعول؛ ومنذ ذلك الحين بدأ التّشتّتُ والانقسام في الصّف العربي، وكانتِ المؤتمرات التي تلتْ مجرّد (روتين) أو مواسم، أو طقوس تقام بين الفيْنة والأخرى، فلم يسجّل التاريخُ لهذه الجامعة أيّ موقف حاسم، أو قرارٍ بطولي في قضايا عربية، أو اجتهدت في إيجاد حلول لقضايا أو نزاعات عربية ــ عربية، فكلّ مؤتمراتِها كانت صِفْرًا، أو مساوية للصّفر، أو تحت الصّفر..
الحديثُ ذو شجون عن هذه الجامعة العربية، ولكي نحقّق عنكَ سيّدي القارئ الكريم، سنجعلك تضحك معنا قليلا، وهو عندما سنُخبِركَ بأنّ الجامعةَ العربيةَ عرضت وساطتها لحلِّ الأزمة بين [روسيا] و[أوكرانيا]، فقال المغاربةُ وهم يضربون كفّا بكفّ، ويستلقون على ظهورهم من وطأة الضحك لـمَا سَمِعوه: [لوْ كان الخُوخْ يداوي، كُدَاوى راسُو].. والآن، يطبِّل المطبّلون، ويزمّر المزمّرون للمؤتمر العربي في [الجزائر] لخَلْق هالة حوْله، ولكنّ الشعوبَ العربيةَ المسلمة تعلمُ أنّ مَن مات، انقَطع عَملُه، وأنّ هذا المؤتمر إنّما توظّفُه [الجزائر] لتلميع صورتِها، ولكنّها تدّعي أنّها تريد رأْبَ الصّدع، ولمَّ الشّمل، وتقريب الرُّؤى بيْن العُربان، فلوْ كانت صادقةً في ما تقوله، لعَمِلت على لمِّ الشّمْل، ولنفضَتْ يدَها من أزمة افتعلتْها مع [المغرب] بمُساندتها لشبّيحَة [البوليساريو] الانفصالية؛ عن أيِّ شمْل تتحدّث [الجزائر] ورئيسُها مجرّدُ دمية بيد العسكر؟ عن أيّ شمْل تتحدّثُ [الجزائر] وهي رهينة في يد الجنيرال [الشّنْقريحة]؟ عن أيّ شمْل والمؤتمرُ سيحضُره رئيسٌ انقلبَ على الديمقراطية وعلى المؤسّسات الدّستورية واعتَمد الدّيكتاتورية في البلاد؟ عن أيّ شمْل يتحدّثون والدّولُ العربيةُ كلّها مُفكَّكة، ومتخاصمة، ومتعادِية فيما بينها والشعوبُ العربيةُ لا تهتمُّ اليوم إطلاقًا بهذه المؤتمرات الشّكلية، فهي ضياعٌ لأموال الأمّة، ونهبٌ لثرواتها..
صحيح أنّك سترى استقبالات، وتصريحات، ومتمنّيات، والبيانُ الختامي جاهز قبْل انعقاد المؤتمر، وكلّه يعبِّر عن نجاح المؤتمر، وخلال الجلسات ستسمع مواويل القادة العرب كما جرتِ العادة، وكلّهُم سوْف يتحدّثون عن التضامن العربي، وعن الأخُوة العربية، وعن المصير المشترك، من خلال قصائد شعرية، ثم [إنّ أَعْذبَ الشِّعر أَكْذَبُه].. ثمّ سينفضُّ المؤتَمرون بعدما تُعْرف الدولةُ العربية التي ستستضيفُ المؤتمرَ القادم، وستراوح المشاكلُ العربيةُ مكانها، وتنضاف مشاكلُ أخرى إليها، لكنْ، أبدًا لن تُتَّخذ قراراتٌ فيما يخصّ الجوع القادم، والعطش الذي يتهدّد الشعوب العربية، ولن تناقش أبدًا القوّة الشّرائية للمُواطن، أو تُطْرح إشكالية حقوق الإنسان في بعض الدول العربية، وهذه كلّها من [التّابوهات] التي لا تُناقشُها المؤتمراتُ العربية، لذلك ستغْلب الإنشائية في الخُطَب، وفي البيان الختامي، وسيتمُّ الحديثُ عن نجاح وهْمي ستَعْزف على إيقاعة وسائل الإعلام المأجورة وستتغنّى به الألسنة المجرورة؛ ياه!

Exit mobile version