الديبلوماسيات الكبيرة تستأنف العلاقات بالعناوين الكبرى. ما بين المغرب وفرنسا علاقات كبيرة عرفت فتورا، وبدأت شمس هذه العلاقات تشرق من جديد. كان لابد من إعطاء إشارة كبيرة لعودة الدفء بين البلدين. وهذا العنوان كان هو توجيه الدعوة من قبل بريجيت ماكرون، السيدة الأولى في قصر الإليزي، إلى صاحبات السمو الملكي الأميرات للا مريم وللا أسماء وللا حسناء، لمأدبة غذاء بالقصر الذي يرمز إلى الحكم الفرنسي، ومشاركة الأميرات بتعليمات سامية من جلالة الملك.
الرموز هي أشكال من “الاستعارات التي نحيا بها” كما هو عنوان كتاب المفكرين الأمريكيين جورج لايكوف ومارك جونسن، فالرموز شكل من اشكال اللغة التي نتواصل بها، حقيقة أن العلاقات الدولية تبنى على المصالح، لكن تدبيرها يتم بالرموز وهي كثيرة، فالمدعوات هن شقيقات جلالة الملك محمد السادس، الذي ينظر إلى العلاقات مع فرنسا من باب التكافؤ والندية، وبنات جلالة الملك الراحل الحسن الثاني، الصديق الكبير للرؤساء الفرنسيين، وصاحبة الدعوة هي سيدة فرنسا الأولى.
بدأت العودة بالرموز قبل الانتقال إلى ما هو مادي لإعطائها أبعادها الكاملة، التاريخية والحاضرة والمستقبلية، قبل المرور إلى مرحلة إزالة العوائق التي تتم من خلال اللقاء بين كل المؤسسات المعنية بهذه العلاقات، وتصفية الشوائب وكشف الأوراق، التي كانت وراء الفتور.
يبدو أن المغرب في هذا المجال أكثر وضوحا من غيره، يريد علاقات متساوية، تقطع مع الرؤية التي عاشت عليها فرنسا، وما زال بعض الفرنسيون يحنون إليها، وكان جلالة الملك واضحا عندما قال إنه لا اتفاقيات بعد اليوم مع أية دولة لها موقف غامض وملتبس من قضية وحدتنا الترابية، وقد رمى السفير الفرنسي بالرباط، اثناء استضافته بكلية العلوم القانونية والاقتصادية بالدارالبيضاء، عندما قال: ينبغي على فرنسا أن تقطع مع الغموض في قضية الصحراء وتحذو حذو كثير من الدول، معتبرا ذلك من مصلحتهم.
وسبق لوزير الخارجية الفرنسية، المعين حديثا، أن قال إن الرئيس الفرنسي ماكرون أمره بالاستثمار شخصيا في العلاقات المغربية الفرنسية، كدلالة على وجود “كارت بلانش” من أجل فتح قنوات التفاوض وعودة الدفء للعلاقات بين البلدين.
العلاقة بين المغرب وفرنسا تفتر أحيانا لكن لا يمكن أن تصل إلى القطيعة، بالنظر لطبيعتها التاريخية والاستراتيجية والارتباطات الكبيرة في مجالات متعددة، سواء تعلق الأـمر بتقاطع الرؤى فيما يتعلق بكثير من القضايا أو بحجم الاستثمارات والعلاقات التجارية، وعلاقة من هذا النوع تحتاج إلى من يحميها من العقلاء في كلى البلدين.
في الضفة الفرنسية ما زال هناك من ينظر إلى إفريقيا نظرة استعمارية، ولا يريد أن يستوعب أن العلاقات اليوم ينبغي أن تقوم على مبدأ “رابح-رابح”، الذي دعا إليه جلالة الملك، لأن الشعوب والدول لم تعد قابلة لأي نزعة تحقيرية، لكن في فرنسا دائما يوجد ضمير الأمة الذي يحرس رؤيتها ويستيقظ عندما يحين الوقت.
عودة الدفء بين المغرب وفرنسا
