لا يمكن أن نغطي الشمس بالغربال، العبارة التي تقال دائما عندما تكون الحقيقة واضحة ويقال أيضا الشجرة التي تخفي الغابة أو وراء الأكمة ما وراءها. في كل العوالم هناك أمور غير مرئية لكنها قريبة من حدس عوام الناس فبالأحرى المطلعون على الأمور.
تتم اليوم محاكمة محمد مبديع، الوزير السابق والقيادي في الحركة الشعبية والنائب البرلماني ورئيس الجماعة الترابية للفقيه بنصالح. ولم نكن لنذكر اسمه لو لم تكن قضيته متعلقة بالرأي العام، غير أنه ليس من حقنا أن نتدخل فيما يعني القضاء، ولا في طريقة محاكمته، وهل كان ينبغي متابعته معتقلا أم في حالة سراح، فهذه شؤون القضاء، كما ليس من حقنا أن نوجه اتهاما للمعني بالأمر حتى يكون الحكم نهائيا؟
لكن القضية تعنينا من جهتين:
الأولى بما أنها الشجرة التي تخفي غابة الفساد الكثيرة، ويكفي الاطلاع على تقارير المجلس الأعلى للحسابات وبعض التقارير التي تقوم بها المفتشية العامة للمالية والمفتشية العامة للداخلية، لمعرفة مدى الفساد الذي ينخر الإدارة التي يتولاها السياسيون المنتخبون، ويمكن التعريج على باقي الإدارات، وهذا فساد معروف بشكل رسمي، ناهيك عما خفي، وما خفي أعظم كما يقال.
من الناحية العملية، لا ينبغي أن يكون هناك استثناء في متابعة أي شخص تحوم حوله شبهة فساد مهما كان ومهما علا شأنه، وأي معاقبة للمفسدين هي ردع للآخرين، ومحاكمة أي مشتبه أيضا فيها ردع للآخرين حتى لو قضت المحكمة فيما بعد ببراءته، والبراءة أصل الأشياء حتى لا نسقط في اتهام أي شخص بدون وجه حق.
ماذا سيكون موقف وزير العدل، الذي طالب بمنع الجمعيات التي تشتغل في مجال حماية المال العام؟
المجتمع المدني شريك في أي عمل وفي أي مشروع، ويتم دعمه في كافة بلدان الدنيا، لأنه جزء من ضمير المجتمع، ومن ظهرت عليه علامات ابتزاز تتم متابعته وفقا للقانون. الناس لا ملائكة ولا شياطين، والقانون يسري على الجميع.
جاء ذكرنا للمجتمع المدني لأن جمعيات حماية المال العام هي التي حركت الملف.
ينبغي النظر لملفات الجمعيات بعين جدية، ما كان معقولا يتم قبوله وأي اتهام مغرض تتم متابعة أصحابه.
أما الجهة الثانية فهي كون الحكومة وخصوصا رئيسها عزيز أخنوش سيكون مرتاحا لتفجير هذا الملف، لأن الأعين اليوم متجهة نحو محاكمة وزير سابق وبرلماني وقيادي حزبي ورئيس لجنة العدل والتشريع سابقا وغيرها من الألقاب، وبالتالي سينسى المواطنون لفترة الزيادة في الأسعار والاتجار في الأزمة وبقر البرازيل وسيهتمون بهذا الموضوع.
إن كانت المحاكمة ضرورية وفق الملف المعروض لا ينبغي أن تجعل الناس، وخصوصا النخب، تنساق مع الموجة وتنسى موجة الغلاء الضاربة في عمق الأزمة الاجتماعية اليوم، والاغتناء من الأزمة أيضا أحد أوجه الفساد.
غابة الفساد أكبر من أية شجرة
