للمرة الثانية على التوالي تحتفل الطبقة العمالية عالميا، ومعها العاملون بالمغرب، بفاتح ماي افتراضيا، بالنظر للإجراءات التي حتّمتها الجائحة الوبائية، التي ترافق العالم منذ سنة ونصف، وفي المغرب وبالنظر للقانون الطوارئ الصحية المفروض منذ 20 مارس من السنة الماضية كإجراء لتفادي الانتشار الواسع لفيروس كورونا، ووسيلة لمحاربة المرض، تنظم النقابات احتفالات رمزية، يلقي فيها الأمناء العامون للنقابات كلمات يتابعها المنخرطون عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويمكن لبعض النقابات أن تنظم لقاءات حضورية محدودة ببضعة أشخاص كما هو معمول به قانونيا، أما الاحتفال ميدانيا فهو ممنوع بقرارات من السلطات المخولة بذلك بناء على إجراءات قانون الطوارئ الصحية.
رغم أن فاتح ماي هذه السنة يتم الاحتفال به تحت رحمة كوفيد 19 وبالاقتصار على الحضور الافتراضي، فإنه هذه السنة يأتي على مقربة من الانتخابات التشريعية والجماعية والمهنية، وأساسا على مقربة من انتخابات ممثلي المأجورين، التي لها أهمية كبرى بالنسبة لعلاقات الشغل، لأن ممثلي الأجراء أصبحوا يشاركون في تدبير المقاولة ويساهمون في تنمية وتحسين العلاقات المهنية وتسوية خلافات الشغل القائمة.
قد يكون الاحتفال الافتراضي بفاتح ماي منقذا لبعض الزعماء، الذين لم يبق لهم سوى السجل التجاري للنقابة، وبالتالي سينجو كثيرون منهم من تقديم خطابات أمام كراسي فارغة أو مناضلين افتراضيين أي غير منتمين ولا هم عمال وإنما أشخاص يتم جلبهم لهذا الغرض، وهذا لا ينطبق طبعا على الجميع حيث ما زالت لدى بعض النقابات شيء من المصداقية.
الاحتفال افتراضيا هو درس جديد للنقابات، وخصوصا للزعماء الخالدين، أو التابعين لهم ومن تبعهم إلى يوم الناس هذا، ومفاد هذا الدرس أن العالم تغير أكثر من اللازم، وبالتالي يلزم أن يتغير الخطاب النقابي في أفق بناء نظرية نقابية جديدة منسجمة مع التطورات التي عرفها العالم، حيث تحول كثير من العمل إلى جهد ذهني وليس عطلي، فكثير من الأعمال اليوم تتم عبر التقنيات الجديدة، بل إن الرأسمال يمر عبر الالكترون وليس عبر القوة العضلية للعامل.
النقابات ضرورة تاريخية لحماية العامل وتوفير علاقات شغل معقولة، لكن هذه الضرورة لا تعني وجودها كما هي، خصوصا وأن الجائحة فرضت اليوم جزءا كبيرا من العمل عن بعد، وبالتالي أصبح الحضور رقميا، بمعنى أن المكان، الذي هو أصل اجتماع العمال وتأسيس النقابة لم يعد ضروريا في علاقات الشغل، حيث يمكن أن يجتمع مجموعة من الأشخاص في علاقات شغل لكن دون الحضور الميداني.
إذا كان العمل عن بعد أصبح واقعا فكذلك على الأقل يمكن تحويل فاتح ماي واحتفالاته إلى يوم عن بعد أو على الأقل مختلطا، حتى يتم تجسيد الفئة التي تشتغل عن بعد ولا تلتقي الناس في عملها، فالتحول في الرموز يؤدي حتما إلى تحولات في الواقع، وهيمنة الرقمي حاسمة في علاقات الشغل طبعا ويمكن توفير مساحات كبيرة لرفع المطالب عن طريق وسائط التواصل الجديدة.
فاتح ماي تحت رحمة كوفيد
