Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

فاجعة [طنجة] سببُها إبليس في [أَمانديس]

محمد فارس

ما زالت مدينة [طنجة] تكفْكِف دُموعها بعد هَوْل الصّدمة التي ألـمّتْ بها على إثر غرق (28) عاملا وعاملة في معمل سِرّي، تحت أرضي، بسبب طوفان أمطار جارفة غمرتِ القبوَ فجأةً، وأخبرتْنا تلفزة الكذِب، بأنّ هذا المعمل كان غيْر مرخّص، ياه! الآن فقط عُلِمَ أنّ هناك في الحيّ معْملاً غيْر مرخّص، وما أكثر المعامل غيْر المرخّصة التي تستغلّ [les sous-hommes] كما كانت تسمّيهم النازية وهم يَشتغلون في مغاراتٍ تحت أرضية، وفي معتقلات كتِبَ على أبوابها: [أربيتْ ماخْت فرِي]، يعني (العمل سيحرّركم) لكن من ماذا؟ من الحياة، من الوجود، من البقاء، ولـمّا كان العاملون يموتون بنسبة (20 إلى 30) يوميًا، كانوا يُدفنون في قبور جماعية؛ كان القادة النازيون يَعْرفون ذلك، فكانوا لا يَسألون، والمسؤولون لا يقولون، فكان كلّ شيء يُحاط بالسّرية، وإذا جاء صحفيٌ يتحرّى أو يتقصّى الأمر، كان يُعْتَقل أو تُمْنع صحيفتُه من الصّدور؛ هذا ما يحدث اليوم في عدة معامل، ومصانع تدخُل في ما قد يُسمّى [l’économie sous-terraine]، أي (الاقتصاد تحت أرضي)، وهو اقتصادٌ فيه استغلالُ الإنسان (سُوبرْمان) للإنسان الذي مآلُه الشّقاء والحرمان، وقد كتبَ عنه كثيرًا الكاتبُ الكبير [إيميل زولا] ممّا جعله دائم الفرار بسبب حقائقَ كان يَكشف عنها.. فهؤلاء العمّال ضحايا الخبز الـمُرّ، كانوا وما زالوا بلا حقوق، بلا تغطية صحّية، وحياتهُم لا تهمّ اللّيبرالية الجَشِعَة والـمُتوحّشة، التي لها حُماة في الحكومة، والبرلمانِ، وهكذا..

الدّيمقراطية ليست مثالية تمامًا كما يقول فلاسفة ومّؤَرّخون، ولكنّها على الأقل تتمتّع بما يُسمّى (الضّبط الذّاتي)، وبالقدرة على تصحيح مسارِها كلّ مرّة، إلى جانب المسؤولية المرتبطة بالمحاسبة؛ فالمناصب لا تُؤمِّن الحمايةَ لأحد في البلدان الدّيمقراطية، وقد رأيتَ قائد الجيش الإسباني يقدِّم استقالتَه، ورأيتَ حاكِمة [كندا] تَستقيل تحت ضغط الصّحافة والرّأي العام، ولم يَمُتْ أحد لا في [إسبانيا] ولا في [كندا]، ولكن الأعراف الديمقراطية تَفرض ذلك، والشُّعور بالمسؤولية يوجِبُه، والضّمير يحتِّمه.. فهل سمعتَ استقالةً أو إقالةً بعد فاجعة [طنجة]؟ هل سمعتَ وزيرَ الشّغل يقدِّم استقالتَه احترامًا لأرواح الضّحايا؟ هل سمعتَ إقالةَ شيخ، أو مُقدّم، أو قائد، هم أعْلمُ بتواجُد معمل غيْر مرخّص في الحيّ؟ فلولا الفاجعة، لـما تمَّ الاعترافُ بذلك.. لقد كان من الضّروري أن يتمّ إعفاءُ كلّ المسؤولين في [طنجة] لو كانت لِحَيواتِ المواطنين أدنى قيمة في هذا البلد؛ وللتّذكير فقط، فإنّه يوم فاجعة المعمل غيْر المرخّص، وُجِدَ مواطنٌ مقتول في دكّانه، مِمّا يبرز الحالةَ الأمنيةَ الـمُتردّية في [طنجة] رغم كثرة السّيارات الأمنية، والدرّاجات، ولكنْ دون جدوى، لأنّ الشّرطة ليس لها قانون متعلِّق بمحاربة [عصابات الأحياء]، فهي تشتغل تحت قيود تحدُّ من فاعليَتها ثمّ إنّ الّذين يَفرضون سلطتهم، هم المجرمون الذين يشكِّلون هذه العصابات التي تهدّد الأمنَ العام.. فنحن الآن نتساءل: هل نحن نعيش في [طنجة] أم في [تِخْوانة] بجرائمها، ومعامِلها السِّرية، وبتجارة المخدِّرات، وبالهجرة السّرية، وكلُّها يحميها الفسادُ المستشري في البلاد؟

في البرلمان تابَعْنا (مسرحية المعامِل غَيْر الـمُرخّصة)، ولكن ما جدوى برلمان عاجزٍ، وحكومة فاشلة، وأحزاب عينُها على الانتخابات القادمة؟ هل رأيتَ يومًا برلمانيًا أو مستشارًا طافَ في الأحياء، واستمع إلى شكاوى المواطنين الذين صوّتوا عليه؟ هل سمعتَ يومًا برلمانًا أبطلَ مشروعًا مُجحفًا في حقّ هذا الشّعب؟ لقد خاطبهم جلالة الملك نصره الله، قائلاً: [اِتَّقُوا الله في هذه الأُمّة!]، فهلِ اتّقوا الله في الأمّة؟ بل أشقوا هذه الأمّة، وأثرَوا من وراءِ الشّعب، وسَلبوا، ونَهبوا، وهمُ الآن يوزِّعون بيْنهم المليارات من مساهمة الدّولة، وفاجعة [طنجة] سوف يستغلّونها في الانتخابات القادمة، وسيتبرَّؤُون من كلّ شيء، وسيعتمدون الكذبَ كعادتهم، وستدور الأمّةُ بواسطتهم في دوّامة [الإنتاج وإعادة الإنتاج].. وهناك حقيقة أخرى يتفاداها إعلامُ التّضليل، وكلّ الكذّابين، والمضلِّلين، ويركّزون على المعمل السّري، تحت أرضي، ليبرِّئُوا أَنفُسهم من أية مسؤولية.. فحتى لو كان هناك معملٌ غيْر مرخّص، فما كان لهؤلاء العمّال أن يموتوا غرقًا لو كانتِ المدينةُ مَصْلوحة، ومجاريها مُيسَّرة لانسياب مياه الأمطار،  ولكنّ مدينةَ [طنجة] ابتُلِيتْ بإبليس في [أمانديس]، وهي شركةٌ استعماريةٌ طُرِدَتْ من عدّة دول، فوجدتْ لها في [المغرب] واحةً للكسب، والاستغلال، وجمْع [Un argent facile].. فقبْل فاجعة المعمل، هناك مواطنون غمرتِ المياهُ بيوتهم، وفقدوا ممتلكاتهم بسبب إهمال [أمانديس]، وهي المسؤول الأوّل، يتلوها المجلسُ البلدي.. كان من الواجب، بل من المفروض، طردُ هذه الشّركة الاستعمارية كما طُرِدَتْ من [الأرجنتين] لأنّها تُشْبه كاتدرائيات الإقطاع في الفترة القروسْطية، بدلاً من تركِها تتحكّم بأساليبها في المواطنِ المقهور، مهمِلةً ما تعهَّدتْ به من إصلاح في المدينة؛ فهي تقوم بما تقومُ به دون حسيبٍ ولا رقيب، تحت حماية مَن أتوا بها وسَلّطوها على البلاد والعباد؛ هذه هي [طنجة] أرملة الشّمال..

Exit mobile version