شدد مصطفى فارس الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، على أن ” الإجماع الدولي على حظر التعذيب وتجريمه في سائر الاتفاقيات الدولية، و مستوى التشريع المغربي وتفاعل قضاة المغرب معه بشكل إيجابي في العديد من المحطات والنوازل ، ظهرت تجلياته في الاجتهاد القضائي الذي راكمته محاكمنا في العديد من النوازل والقضايا ذات الارتباط بحماية حقوق الإنسان وضمان شروط المحاكمة العادلة وتكريس المبادئ الدستورية الأساسية كقرينة البراءة والحق في الدفاع أو التعويض عن المسؤولية في مواجهة المكلفين بإنفاذ القانون.
وأوضح فارس، خلال لقاء الاعلان عن الدليل الاسترشادي لقضاة النيابة العامة حول مناهضة التعذيب، صباح اليوم بمقر النيابة العامة بالرباط، أن تفاعل السلطة القضائية مع الاجماع الدولي في تجريم التعذيب، اتضح من خلال عن أعمال الرقابة التي يقوم بها قضاتنا من خلال الزيارات الأسبوعية لمخافر الشرطة للتحقق من شرعية الاعتقال وظروفه إضافة إلى الزيارات الدورية للسجون من أجل تتبع وضعية الأشخاص المودعين تحت هذا التدبير، وكذا الرقابة التي يقومون بها عند بتهم في طلبات التسليم حيث يتحرون أن لا تكون هناك أي شبهة آو ملابسات توحي بإمكانية تعرض المطلوب في التسليم للتعذيب أو المساس بسلامته الجسدية، مشددا على أنها أدوار هامة يضطلع بها القضاء من أجل تفعيل الأحكام الحمائية ووضعها موضوع التنفيذ الفعلي ليكون القضاء حاميا للحريات والحقوق بالفعل ولكي تصح مقولة” إن نقص القانون إن كان، يكمله عدل القاضي”.
وأكد فارس، على أن المغرب من بين الدول الخمس التي أطلقت مبادرة دولية لتشجيع وتنفيذ أحكام اتفاقية مناهضة التعذيب، فضلا عن الإصلاحات المؤسساتية والتشريعية التي تروم تعزيز المنظومة الحمائية لحقوق الإنسان خاصة في بعدها الجنائي الموضوعي والمسطري والتي تعكس إرادة حقيقية من أجل مناهضة جريمة التعذيب، موضحا أن هذه الديناميكية تبرز أيضا جلية من خلال عمل السلطة القضائية على تكريس مبدأ الاستقلال كضمانة أساسية ومدخل ضروري لحماية الحقوق والحريات والدفاع عنها بكل التزام ومسؤولية.
وأكد فارس، على أن الدليل الاسترشادي سيساعد جميع قضاتنا رئاسة ونيابة عامة على الاطلاع على أهم المواثيق والمعاهدات الدولية ذات العلاقة والتي تطرقت إلى المعايير الدولية بخصوص إجراءات البحث والتحقيق والمحاكمة بمناسبة النظر في قضايا التعذيب أو عند تلقي ادعاءات بالتعرض إلى التعذيب بغاية تتبع وملاحقة من ارتكبه وإنصاف من تعرض له ، كما سيفتح لنا كسلطة قضائية آفاقا وآليات أخرى للتحسيس والوقاية والتعاون مع كل الفاعلين من أجل مواجهة كل الحالات التي قد تمس بهذه المنظومة الحمائية ذات الأبعاد الدستورية والمؤسساتية والتشريعية والحقوقية المهمة.
وشدد فارس، أن التعذيب يعتبر أحد أسوء الممارسات التي من شأنها الانتقاص من الذات البشرية والمساس بحرمتها حيث تنطوي على اعتداء مباشر ووحشي على سلامة الإنسان الجسدية والنفسية وتناقض حقه في الأمان على شخصه وفي العيش بكرامة ، مما يترك آثارا نفسية جسيمة تتجاوز البعد الجسدي لكونها تصاحب المعتدى عليه لفترات طويلة وتترك لديه بصمات مزمنة يصعب محوها من أهمها عدم قدرته على مواجهة الحياة وصعوبة التواصل الاجتماعي والشعور بالعار والخضوع وفقدان الإحساس بأهمية الذات وفقدان الكبرياء وعزة النفس، وذلك دون إغفال الآثار الفيزيولوجية والجسدية للتعذيب الذي يعد من أبرز صورها الأرق والقلق وانعدام القدرة على التركيز وصعوبات في الذاكرة والكآبة.