إدريس عدار
لم أشاهد سوى ثلاث حلقات الأولى من مسلسل “فتح الأندلس”، الذي يعرض خلال شهر رمضان على القناة الأولى. توقفت عن المشاهدة لأنه لم يجذبني إليه. وفي النقد دائما أميز بين نوعين من النقد: النقد المبني على الذوق، وهذا حق للجميع، فكما ترفض أي شيء يعرض عليك لأنه لم يستطع إغراءك ولم يتمكن من إشباع ذوقك، يمكن أن تعجبك أمور يراها آخرون مقرفة، وهناك النقد “العالم” أي المبني على قواعد العلم والمعرفة بالميدان.
والثاني يركز على أمرين: الإنجاز والمحتوى. يمكن للنقاد أن يتناولوا المسلسل من حيث الحبكة الدرامية وتسلسل الأحداث ونجاح الدورة الإنتاجية من حيث اختيار مواقع التصوير وعملية التصوير وغيرها من العمليات المرتبطة بالمسلسل. ويمكن لآخرين أن يتناولونه من حيث المضمون. مسلسل “فتح الأندلس” أثار جدلا واسعا حول شخصية طارق بن زياد. تم تعريبها بشكل مبالغ فيه وهو شخصية مغربية تحمل روح وهوية هذا المغرب.
لكن غير الطبيعي هو أن نطلب من مسلسل مبني على “فكرة التاريخ” أن يكون بديلا عن التاريخ. فالعمل الفني يمكن الحكم عليه بالضعف والقوة من خلال سير العملية الفنية، لكن لا يمكن أن يتم اعتماده تاريخا. وهو ليس بالأساس عمل تاريخي لأنه مبني على “التخييل”، بينما الأثر الفني التاريخي يبنى على الوثيقة والتحقيق.
هذا ما لا يمكن أن تقوم به خلية كتابة حتى لو زعم المخرج أنها تضم مؤرخا، لأن فتح الأندلس هو أصلا من الإشكاليات التاريخية. فكيف لموضوع خلافي غاص في بحره المؤخرون وغرق منهم الكثير أن يخرج منه “تاجر الفن” سالما، قد يخرج غانما لأموال طائلة ومنها أموال عمومية مثل أموال المغاربة، لكن لابد من كسور تنتجها اللحظة التاريخية الإشكالية.
هل يمكن أن تصدق أن الخليفة الأموي في دمشق كان شخصا ورعا يحرص على العدل؟ باستثناء بضعة كتابات تمجد هذه الحقبة يكاد يكون الأمر بخلاف ذلك عند أغلب المؤرخين. كيف يتحول الماجن إلى تقي؟ نقل أحد أصدقائي عن المؤرخ سهيل زكار، رحمه الله، فرضية مفادها أن أوروبا كانت محافظة ومن أدخل إليها المجون هم “الفاتحون”، لكنه لم يشتغل على الفرضية حتى وافته المنية.
عشرات الإشكاليات التاريخية التي هي محط خلاف كبير بين المؤرخين والمفكرين والدارسين تناولها المسلسل، هل بمكنة عمل تليفيزيوني أن يجيب عنها؟
فالعمل يحاكي رؤية معينة لهذه الحقبة من التاريخ، لكن الأعمال الدرامية ليست دائما تحمل فقط رؤية فنية بخلفية فلسفية لكن قد تكون أعمالا وظيفية. لقد تم توظيف هوليود في شيطنة خصوم أمريكا. كل خصوم أمريكا تم تصويرهم بشكل كاريكاتوري.
قد تكون الإشكالات التي دار حولها الجدل مجرد سقوط فني ناتج عن سرعة الإنجاز والبحث عن الربح، وقد تكون ذات خلفية مشرقية في نظرها للمغرب.
لكن بالجملة التاريخ مجال مليء بالكذب حتى يكاد في أغلبه يحاكي “حقيقة ما” كانت في ذهن ما وغطّت على الحقيقة الأصلية.
فتح الأندلس…الفن والتاريخ
