عمر مروك*
فرض جواز التلقيح كشرط أوحد للعودة للحياة الطبيعية في الحكومة الحالية يناقض مبدأ اختيارية التطعيم حسب الحكومة السابقة، وهو ارتباك واضح يبين أن الجدل الحالي يهم أيضا صانعي القرار الحكومي واللجنة العلمية، وكان من المفروض أن يتم اعتماد نقاش عمومي هادئ، من خلال مقاربة تشاركية للرأي العام الوطني قبل الخروج بقرار فرض التلقيح الذي أربك الجميع.
النقاش العمومي حول فرض اللقاح للولوج لمختلف المرافق يعبر في مستوى أعلى عن أن هناك أزمة بنيوية في ليبرالية الدولة، أي وجود إشكال بين مفهوم الديمقراطية المبني على فكرة المشاركة الشعبية من جهة، والمساواة التي تفترض قدرة المواطن على التعبير عن مصالحه وتقرير مصيره عبر صيغة تمثيلية تنتج نخبا سياسية تعبر عن هذه المصالح في البرلمان وفي البرنامج الحكومي، وبين الليبرالية الاجتماعية التي تفترض حماية الحقوق والحريات الأساسية من تعسف الدولة.
جائحة كورونا ضربت في العمق مقومات الفردانية الليبرالية وتبخرت معها قيم الحرية واحترام الاختلاف بمقابل عولمة مفاهيم الانصياع التام والقوة وتضييق العيش والتنفس داخل صندوق يضيق أكثر يوما بعد يوم.
الحجر على قدرة الناس في اختيار التلقيح من عدمه هو ضرب للدستور وللمواثيق الدولية، في ظل حملة تطعيم هي الأكبر في تاريخ العالم.
الحكومة اليوم هي في مواجهة مع النفس لكونها إضافة لمهمتها وكفاحها للحد من انتشار فيروس كورونا، هي أمام تحدي البحث عن سبل تعزيز التماسك الاجتماعي والحرية في الاختيار وإبداع مسار جديد للثقة والحياة الطبيعية والعمل على أنسنة تدابيرها الليبرالية والحرص على عدم انتهاك السيادة الشعبية وحقوق الأقليات في التعبير عن حقوقها ومصالحها.
يثار من جهة أخرى إشكال الجدوى من رفع شعار المناعة الجماعية والتلقيح الإجباري، وهو لن يمنع العدوى ولن يقي المواطنين من خطر المتحورات الجديدة، وكيف يمكن الانبهار بخطاب المناعة الجماعية الذي أسست له لوبيات اللقاحات وشركات الأدوية وأنظمتها السياسية، الرابحة الوحيدة من الجائحة، في حين هناك توزيع غير عادل للقاحات دوليا، بشكل تستفيد منه فقط الدول ذات الدخل المرتفع، أسرع من الدول الأخرى بثلاثين مرة، وفرضا اننا حققنا نسبة 80% من التلقيح وهي النسبة المفترضة لما يسمى بالمناعة الجماعية، كيف السبيل للحفاظ على هاته المناعة في ظل الاعتماد الدولي المتبادل وفتح الحدود البرية والبحرية والجوية مع الدول ذات النسب الدنيا في التلقيح؟ وإن كانت الجرعتان ثم الثالثة غير كافية لتحقيق المناعة فما الجدوى من هذا التلقيح أساسا.
كل ما سبق لا ننكر معه مجهودات الدولة ماديا ولوجيستيكيا وبشريا لمواجهة الجائحة ومواكبة الخطاب الملكي الداعي لتظافر الجهود من أجل تحقيق السيادة الصحية للمغرب وتوفير اللقاحات بشكل كافٍ في وقت تشهد فيه السوق العالمية حربا من مضاربات الدول الكبرى حول اللقاحات، في أفق انخراط المغرب لتصنيعه مستقبلا، وكذا السعي لخلق مختبرات للقاحات والبيولوجيا كتحدٍّ استباقي للحروب البيولوجية وتدارك الدينامية الدولية المتسارعة، وهو شيء ليس باليسير ويخدم الاستراتيجية الملكية في أفق تحقيق الأمن والسيادة الصحية والغذائية والطاقية. لكن السعي الدؤوب لمواجهة خصاص اللقاحات شيء وفرضه على المواطن شيء آخر.
*باحث
فرض التلقيح وأزمة ليبرالية الدولة
