Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

فلسفة مكافحة الرشوة

ينبغي الإقرار بأن المغرب وضع كل الآليات لمكافحة الفساد، لكن ينبغي أيضا الاعتراف بأن النتائج ليست على ما يرام، وأن ما تم تحقيقه في هذا المجال لا يوازي المجهود الكبير، أو كما يقال “المجهود لا يبرر المضمون”، ومع صدور التقرير السنوي للهيئة الوطنية للنزاهة ومحاربة الرشوة، يتبين أننا ما زلنا نحوم حول ما هو شكلي ولم ندخل إلى الموضوع. لا يعني بتاتا أن المؤسسات في هذا الاتجاه لا تقوم بدورها، ولكن السياق والطبيعة والثقافة تحتاج إلى حل جذري.
الطريقة التي يتم التعامل بها مع موضوع الرشوة وكأنها قضية تقنية ويمكن إزالتها. الرشوة إشكالية كبيرة بل هي عمق الإشكاليات المعرقلة للتنمية، حتى أنها تعتبر الأداة التي تختفي وراءها الثروة، حيث حجم الإنتاج في المغرب لا يوازيه الانعكاس على مستوى الشعب والمواطنين.
الرشوة معضلة وهي مأزق إنساني كبير. الحرب التقليدية على الرشوة لن تجدي نفعا، وهذا ما تقوم به المؤسسات اليوم. فالرشوة تطور أدواتها. اليوم تسربت تحت عناوين كبيرة، فقد أورثنا المستعمر الفرنسي أن اسمها “القهوة”، وتبقى مجرد “قهيوة” يمنحها صاحب الحق المرتفق للموظف والمسؤول. وتأخذ اليوم أشكالا كثيرة، من قبيل تبادل المنافع، وهي رشوة خفية و”الحلاوة” و”العمولة” وغيرها من الأسماء التي تحملها اليوم، حيث تستطيع الإفلات من مراقبة القانون ومن مراقبة آليات الرقابة.
الرشوة مأزق إنساني كما قلنا، وبالتالي هي مرتبطة بالإنسان المكون للمؤسسة. وبكثرة التواطؤ حول هذه المسميات الكثيرة انتقلت من الشكل الشخصي لتصبح ثقافة تحكم المؤسسات والإدارات والأشخاص.
لا فرق في مستويات الرشوة إلا في حجمها، وكلما صعدنا في سلم الترتيب داخل المؤسسات صعدت أسعارها وسعارها، حتى تصبح معرقلة للتنمية بكافة أشكالها ومعطلة للاستثمار المنتج للثروة، بل تصبح مستهلكة للثروة، فأي درهم رشوة تضيع فيه الخزينة العامة لأنه درهم مغشوش وحرام ومسروق ومسلوب من أصحاب الحق أي الشعب المغربي.
الرشوة إذن مرض ثقافي ولم تعد فقط سلوكا، وبالتالي فإن المعالجة لابد أن تتوجه رأسا نحو بيت الداء، دون أن يعني ذلك أن نفرط في عمل المؤسسات، التي تشتغل وسط ثقافة “الضحك وقت الجد”، فقد يتلقى عناصر الوقاية المدنية قبيل إفطار رمضان، على أهميته، إشعارا مجهولا بحريق في مكان معين، فيهرعون إلى مكان الحادث حيث لا يعثرون على شيء ويكتشفون أنه مقلب، وبالتالي قد يتباطؤون عندما يكون الحريق جديا. النيابة العامة تتوصل بـ100 مكالمة يومية للتبليغ عن الرشوة. لا ندري كم العدد الحقيقي من العدد غير الحقيقي والمفترض والذي ينتمي إلى “الضحك وقت الجد” أو “الضحك الخايب” بلغة المغاربة البليغة.
إذن لابد من مشروع ثقافي ورؤية فلسفية عميقة لما هي الرشوة وما هو الفساد وتحديد موضوعاتها بدقة وكيفية تركيبها قصد تفكيكها وإلا سنبقى ندور في حلقة مفرغة.

Exit mobile version