Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

في الحاجة إلى افتحاص ثقافي وأخلاقي لعيوب انحراف السلطة

مصطفى المنوزي*
في الوقت التي دعا فيها رئيس الدولة المغربية إلى ضرورة تخليق الحياة العامة ، خاصة داخل مؤسسة البرلمان بمجلسيها ؛ بادرت الأحزاب الحكومية ؛ عبر وزرائها ، والذين أدوا أمام الملك القسم الدستوري ، تعبئ للإنتخابات بطريقة تعاكس الإرادة السياسية العامة ، فالوزراء من جهة يعفون مدراء ومسؤولين ، ينتمي اغلبهم لأحزاب معارضة ، من مهامهم الإدارية ؛ من جهة ويعوضونهم بذويهم الحزببين ؛ ومن جهة ثانية ، يمنعون مقاضاة الفاسدين والمرتشين من قبيلتهم .
كيف لنا أن نحلل هذه السلوكات من زاوية الاخلاقياتية؟
يمكن تحليل هذه السلوكيات عبر عدة محاور رئيسية ؛ فالانحراف عن مبادئ العدالة تشكل الأساس من خلال الإجراءات التي يتخذها الوزراء من تعيين وإعفاءات تتسم بالتحيز الحزبي وتستند إلى الولاء الحزبي بدلاً من الكفاءة أو العدالة، و هذا ما يهدد نزاهة العمل الإداري ويضعف الثقة في المؤسسات الحكومية ، رغم أن الأخلاقيات تحث على تكافؤ الفرص والنزاهة في اتخاذ القرارات دون النظر إلى الانتماءات السياسية أو الحزبية. ومن زاوية عيب المحسوبية والزبونية ، يتم تثبيت الوزراء لأفراد من عائلاتهم أو من ينتمون إلى نفس الحزب ، وهذا يشكل و يعد سلوكاً يتناقض مع المبادئ الأخلاقية التي تدعو إلى المساواة والعدالة في المعاملة ، وإن هذا يمكن أن يؤدي إلى استغلال المنصب الحكومي لمصالح شخصية أو حزبية.
والنتيجة ان هذه الممارسة تكرس التواطؤ مع الفساد ، وأحيانا يتم منع مقاضاة الفاسدين والمرتشين ، الشيء الذي يؤدي و ينم عن ضعف في تطبيق القانون ويُظهر غياب المسؤولية الأخلاقية لدى القائمين على السلطة، ما دام أن من شأن التغطية على الفساد أو حمايته لأسباب قبلية أو حزبية ، أن يؤدي إلى تفشي الفساد في الدولة، مما يعزز الشعور بالظلم ويزيد من قلة الثقة في النظام السياسي. ناهيك عن إساءة استخدام السلطة ، بجعل السلطة الحكومية غطاء يشرعن لتأمين المصالح الحزبية أو القبلية، سواء كان ذلك بتعيين أو إعفاء موظفين بناءً على انتمائهم السياسي أو منع مقاضاة الفاسدين، وفي ذلك إساءة فاضحة لاستخدام للسلطة ، ويخالف المبادئ الأخلاقية المتعلقة بالمسؤولية والعدالة.
لذلك ، من خلال هذه الزوايا، يمكن القول أن هذه السلوكيات تعكس تدهوراً في الأخلاقيات السياسية والإدارية، وتتطلب مراجعة لتوجهات السياسات العامة بهدف تعزيز الشفافية والنزاهة وتحقيق العدالة في إدارة شؤون الدولة.ولتحليل هذه الظاهرة بشكل أعمق، يمكن تناولها من عدة جوانب: ثقافية، أخلاقية، وأمنية ، مع محاولة فهم جذورها وتأثيراتها على المجتمع والدولة. كما يمكن اقتراح بعض الحلول لمعالجتها.
– الجوانب الثقافية: في العديد المجتمعات، لا سيما تلك التي تعاني من ضعف في مؤسسات الدولة، تكون الولاءات القبلية أو الحزبية أقوى من مبادئ الكفاءة والنزاهة. هذا يؤدي إلى تعيين الأفراد بناءً على انتماءاتهم الشخصية أو العائلية بدلاً من كفاءتهم.
– ضعف ثقافة المساءلة: في بعض الثقافات، يُنظر إلى الفساد على أنه أمر طبيعي أو مقبول اجتماعياً، خاصة إذا كان الفساد يُفيد المجموعة أو العائلة. هذا يضعف الشعور بالمسؤولية الأخلاقية تجاه المجتمع ككل.
– التسامح مع الفساد: قد تتراكم ثقافة تسامح مع الفساد بسبب الخوف من السلطة أو الاعتقاد بأن مقاومة الفساد لن تؤدي إلى تغيير حقيقي ، هذا يعزز استمرارية الفساد ويجعل من الصعب محاربته ، وبالتالي ينشأ التطبيع مع الفساد كقيمة إجتماعية .
– انعدام المسؤولية الأخلاقية: عندما يضع المسؤولون مصالحهم الشخصية أو الحزبية فوق المصلحة العامة، فإنهم يتجاهلون المبادئ الأخلاقية الأساسية مثل العدالة والمساواة والنزاهة.
– التضحية بالمصلحة العامة: فتعيين الأقارب أو الحزبيين في المناصب العامة على حساب الكفاءة يعد تضحية بالمصلحة العامة لصالح المصالح الضيقة. هذا يتناقض مع المبادئ الأخلاقية التي تدعو إلى خدمة المجتمع بصدق ونزاهة.
– التواطؤ الأخلاقي: عندما تتم حماية الفاسدين أو المرتشين، فإن ذلك يعكس تواطؤاً أخلاقياً من قبل المسؤولين الذين يفترض أن يكونوا قدوة في تطبيق القانون وحماية المال العام.
ومن حيث الجوانب الأمنية:
– تهديد الاستقرار الاجتماعي: فالفساد والمحسوبية يزيدان من الشعور بالظلم وعدم المساواة بين المواطنين، مما قد يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية أو احتجاجات تهدد استقرار الدولة.
– ضعف الثقة في المؤسسات: عندما تفقد المؤسسات الحكومية مصداقيتها بسبب الفساد والمحسوبية، فإن ذلك يضعف ثقة المواطنين في الدولة وقدرتها على تحقيق العدالة. هذا يمكن أن يؤدي إلى تفكك اجتماعي وزيادة في الإحتقان والإنفلات والجريمة والعنف.
– تهديد الأمن العام : فالفساد في المؤسسات الحكومية يمكن أن يؤثر سلباً على الأمن العام ، حيث يتم تعيين أفراد غير أكفاء أو منحرفين أوذوي سوابق ، في مناصب حساسة، مما يجعل الدولة عرضة للاختراقات الأمنية أو الفشل في إدارة الأزمات.
– خلفيات الظاهرة: في الأنظمة التي تكون فيها المؤسسات الديمقراطية ضعيفة أو غير مستقلة، يصبح من السهل على الأحزاب الحاكمة استخدام السلطة لتحقيق مكاسب شخصية أو حزبية.
– غياب الشفافية: عدم وجود آليات شفافة لتعيين المسؤولين أو محاسبة الفاسدين يسمح بانتشار الفساد والمحسوبية دون رقابة حقيقية.
– التركيز على السلطة بدلاً من الخدمة العامة: عندما تصبح السلطة هدفاً في حد ذاتها بدلاً من كونها وسيلة لخدمة المجتمع، فإن ذلك يؤدي إلى استغلال المناصب العامة لتحقيق مكاسب شخصية.
إن هذه الظاهرة تعكس أزمة أخلاقية وثقافية عميقة تتطلب معالجة شاملة تشمل تعزيز الشفافية، تعزيز المؤسسات المنتخبة ، وتعزيز ثقافة المساءلة والنزاهة. بدون معالجة هذه الجذور، ستستمر هذه السلوكيات في تهديد استقرار الدولة وثقة المواطنين في مؤسساتها ، وفي ذلك عنوان عريض لإرادة سياسية متسامحة مع تشييد الدولة الرخوة ، كجسر غير آمن نحو منطق اللادولة . فهل يجرؤ الوزراء على إجراء افتحاص ثقافي توقعي في أفق إعداد مدونة أخلاقيات تدبير العمومي ؟

*رئيس المركز المغربي للديموقراطية والأمن .

Exit mobile version