محمد عفري
من طرق التهكم على تبريرات حكومة أخنوش لارتفاع أسعار غالبية المواد الاستهلاكية في الأسابيع الأخيرة، كانت تلك الصيحة البديعة التي ” خرج” بها ناشط فايسبوكي قائلا: “الحكومة تعلن للمواطنين وفرة المواد الاستهلاكية في رمضان الوشيك..والمواطنون يعلنون للحكومة فراغ جيوبهم وعدم قدرتهم شراء المواد الاستهلاكية”.
بغض النظر على أن المغاربة اعتادوا على “التألق” في الإبداع، تعبيرا بالفكاهة والدعابة، في مواجهة الشدائد باختلاق “النكت” والمستملحات في الشدائد والنائبات، ترويحا على النفس، إلا أن التدوينة الفايسبوكية أعلاه، اختزلت واقع المواطنين المغاربة مع قدرتهم الشرائية في جملتين هادفتين، وهي القدرة التي انهارت مع مطلع السنة الجارية في ظل تداعيات أزمة كورونا على البلاد والعباد، لتزيد من انهيارها الموجة الأخيرة التي عرفتها أسعار غالبية المواد الاستهلاكية في الآونة الأخيرة والتي يمكن تحديدها في أقل من شهرين.
تؤكد التدوينة التي جاءت بصيغة الفرد لتهم الجمع،أي المغاربة قاطبة، أن وفرة المواد الاستهلاكية في الأسواق في كل أشهر رمضان، لا تعني ” الأريحية” لقدرة المواطن على اقتناء هذه المواد في الأعوام التي لم تكن على إيقاع الجائحة و تداعياتها ولا على إيقاع الجفاف وتداعياته كما هو هذا العام، وأنى لأريحية ممكنة أمام مواد استهلاكية في شهر رمضان بعام قاحط، لم يسبق أن عاش مثله المغرب قط، وتداعيات كورونا ماتزال ترخي على الاقتصاد والعباد وعموم البلاد.
المغاربة أكثر من غيرهم يعرفون أن الوقفات الاحتجاجية التي خرجوا فيها زرافات، بالعديد من المدن المغربية، تنديدا بهذا الارتفاع في الأسعار لا نتيجة مفيدة منها، لكنهم يسجلون حضور الاحتجاج الذي يكفله لهم القانون. يعرفون أيضا أن حكومة أخنوش، هي نسخة طبق الأصل، لكل الحكومات التي تعاقبت طوال ست وستين سنة على السلطة التنفيذية بمغرب ما بعد الاستقلال، لا يمكنها البتة، التراجع عن إعلانها الزيادة في الأسعار، كما لا يمكنها، في يوم من الأيام أن تقرر ولو على سبيل ” الحُلم ” تخفيض سعر مادة واحدة من المواد الاستهلاكية الضرورية لـ “معيشة” المغاربة ولو كان مصير هذه المادة البَـوَرُ المبين. يعرفون كذلك ان كل الحكومات، في تدبير الأزمات العابرة أو المستفحلة، تجعل من المواطن المغربي الحل الأنسب والأقرب للمواجهة عن طريق أداتين أوثلاثة، الرفع في أسعار المواد الاستهلاكية والزيادة في الضرائب، ثم إحداث ضرائب جديدة.
ما يزيد من ” خنق ” المغاربة غيضا هو تملص الحكومات، ومنها حكومة اخنوش بالذات من مسؤولية رفع اسعار المواد الاستهلاكية، ولعل الوزير المنتدب لدى وزيرة الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية، فوزي لقجع برع مؤخرا في الدفاع عن “براءة” حكومة عزيز أخنوش من مسؤولية هذا الارتفاع، ليربطه بالموجة العالمية للأسعار المرتفعة بسبب تداعيات كورونا وبالتغير المناخي.
عدا الإبداع في الاحتجاج “الناعم” على صفحات التواصل الاجتماعي من قبيل التدوينة الفيسبوكية أعلاه، لم يعد للمغاربة من حيلة أمام حكومة تدعي أنها حكومة كفاءات، يجيد أعضاؤها الترافع عن مصالحهم، أكثر مما يجيدون إيجاد حلول لمواجهة أزمة الغلاء، غير عابئين بأن هذا الغلاء عنصر تهديد مباشر للسلم الاجتماعي، في كل الأوطان والأمصار. حكومة أخنوش لا تدرك أن وفرة المواد الاستهلاكية، ليست هي القدرة على اقتنائها، في ظل ارتفاع معدل البطالة واستقرار الأجور، لكنها تدرك تمام الإدراك أن الرواتب الشهرية المرتفعة لأعضائها الوزراء ورواتب البرلمانيين الذي تشكلت منهم، يمكنها أن تكون جزءا من حل الأزمة، إن تفضل عزيز أخنوش وباقي الوزراء بقرار تخفيضها، على الأقل، إلى حدود عبور “الأزمة”..
في مواجهة الأسعار..
