Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

في نقد فزاعة قاموس “الدولة العميقة” و”الدكاكين السياسية”

مصطفى المانوزي
يصر بعضنا على اجترار وقائع بمثابة تحصيل حاصل، إلى درجة العبث والابتذال، مفادها ان الملكية في مغربنا تنفيذية، وهو توصيف تؤكده الحقيقة الدستورية قبل الحقيقة الإعلامية والوقائع السياسية في المحك اليومي، وقد سبق للدكتور محمد الطوزي ان صرح وحلل بما يكفي واستنتج عدم تأهل سياسيينا لتحمل مسؤولية رئاسة الحكومة وبالأحرى خوض تجربة الملكية البرلمانية، وهذه وجهة النظر لا تعدو ان تكون ردا على اليسار الوسط أو الموحد أو الراديكالي، وكذلك الحال بالنسبة لأجنحة اليمين المتعدد كميا، التقنوقراطي منه والرأسمالي أو الإسلامي، وإذا كان جليا أن اليسار المعني في العملية هو الذي قام بمراجعات تكييفية او اشتراطية، فما يهم بعض اليسار ان الحكم لم يعد فرديا ومطلقا، بفضل التسويات على علاتها وإذعانيتها، اما بالنسبة لليمين، فكون معارضاته لم تكن ابدا للنظام، كما هو الحال بالنسبة للحركة التقدمية، التي كانت عينها على السلطة، سواء بالخيار الثوري او الخيار الديمقراطي؛ بالنسبة لليمين فقد فهم زعماؤه بأن وجودهم رهين بالولاء المطلق لولي نعمتهم، وفروض الطاعة والإخلاص تقتضي من أي مرشح لرئاسة ” حكومة صاحب الجلالة ” ان يعلن ويمارس واقعيا طقوس التنازل اليومي والمضطرد عن صلاحيته لفائدة جهات ليست بالضرورة الفئات التي انتخبته.
من هنا فمطلوب من الديمقراطيين ان يحرصوا على عدم التطبيع مع هذا الأمر الواقع، الذي يستهدف تبخيس المكتسبات الدستورية، فصلاحيات الرأس الثانية للسلطة التنفيذية كوزير أول اضعف من صلاحيتها كرئيس حكومة، فكيف يمكن الدفاع عن حزب بخس قيمة الموقع الدستوري الثاني في هرم الدولة بعد الملك، وجعل مقاصده (ممارسته) وليس فقط ألفاظه (خطابه) نقضا لكل طموح ديمقراطي بعلة خدمة الملكية؟ والحال ان من مصلحة المؤسسة الملكية تحديث نفسها وتكريس بنيات ليبرالية (سياسية وحقوقية) لأن البنية التقليدانية لن تنفع لمواجهة الأخطار الأجنبية والأطماع الخارجية التي تحف بالأوطان الصاعدة والدول الواعدة التي تنشد فك الارتباط السلبي والحصار القاتل في العلاقة مع سوء الجوار وفلول الاستعمار.
إن توجسنا من مرحلة ما بعد الدولة، يقتضي منا الدفع بها إلى استنفاذ شروط التحول، بدل الاقتصار على مجرد تكيف اضطراري، من دولة تابعة إلى ندية حقيقية، فكيف نتحول من حارس للحدود أو دركي المنطقة، إلى شريك أو وسيط ذو سيادة وجيوستراتيجي مستقل الذمة المالية والسياسية، دون تمكين ممثلي المجتمع والأمة من وسائل تأهيل الديمقراطية التمثيلية، فبغض النظر عن وسائل صناعة الخريطة الانتخابية والسياسية؛ فإن أخف الأضرار رد عقارب الزمن السياسي إلى اللحظة الدستورانية كلحظة لا يقين تختبر الدولة ومؤسساتها وتوقعاتها، والتي قد لا تستغني عن السقف الليبرالي، ولكن يمكن أن تعطل زحف المد الأصولي الرجعي كمنافس حقيقي في الشرعية الدينية والشرعية الاجتماعية الإحسانية، منافس لا تهمه لا اللحظة الوطنية ولا اللحظة الديمقراطية كغاية، ما دامت تتماهى لدى المحافظين مقتضيات الأمة مع موجبات الوطن؟
صحيح أن الملك فاعل اساسي في الهندسة الدستورية، غير ان الخوض في تفاصيل السياسة العمومية وما ينتج عنه من حروب صغيرة، قد يقحم المؤسسة الملكية في حرج المسؤولية والمساءلة في العلاقة مع تنازع أوتنافس الشرعيات، والحال أن مبدأ التوقير يقتضي الاقتصار على ما هو أسمى من ذلك، من مسؤولية حماية الثغور والملة والدين ووفق ما تقتضيه السياسة العامة المؤطرة بالفصل 92 من الدستور، في انتظار تخلي الأحزاب عن تمثلها بكون الشأن الأمني مجال محفوظ ولا يعنيها، هذا التخلي الذي لن يتأتى سوى بتشييد المجلس الأعلى للأمن، والذي لا يعقل ان يظل حبرا على ورق بعد عشر سنوات على قرار دسترته كضامن للحكامة الامنية، وكأقوى توصية ضمن توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة التزم الملك وصادق عليها وأمر بتفعيلها ضمن ضمانات عدم تكرار ماضي سنوات الرصاص.

Exit mobile version