بعد تقديم تقرير المجلس الأعلى للحسابات أمام البرلمان، وتسليط الضوء على فساد السياسيين وخصوصا المنتخبين، التي جاءت متوازية مع متابعات لعدد من المنتخبين بجهات مختلفة، انبرى بعض السياسيين في محاولة لرد الصرف لرئيسة المجلس، قائلين: الفساد موجود في الإدارة أولا.
كلمة حق أريد بها باطل ويراد بها استمرار الباطل. الفساد موجود في البر والبحر، وهو موجود في الإدارة كما هو موجود وسط السياسيين، لكن محاولة رد الاتهام الموجه للمنتخبين بدعوى أن الفساد موجود في الإدارة أولا هو رد ملتبس كمن يريد القول “واش شفتونا غير حنا”.
لماذا التركيز على السياسيين في موضوع الفساد؟
أولا لأن السياسي هو من يحمل مشروعا مجتمعيا يتضمن ما هو أخلاقي ويدعو إلى مكافحة الفساد، فكيف تنهى عن خلق وتأتي ما هو أكبر منه؟ فالسياسي هو الذي يخوض الحملات ضد الفساد المستشري بالإدارة، ولكن قبل أن تقوم بذلك عليك أن “تغسل باب دارك”، لهذا عندما يستشري الفساد عند السياسيين يكون مثار جدل وتسلط عليه الأضواء بشكل كبير.
ثانيا لأن الأحزاب السياسية هي التي تفرز البرلمان، الذي يمارس الرقابة على المؤسسات العمومية وعلى الحكومة، وبالتالي فمن يراقب ينبغي أن يكون قد طهّر بيته أولا قبل أن ينظر إلى الآخرين، وبما أن البرلماني يقوم بالتشريع لمحاربة الفساد، ويقوم بمراقبة الحكومة ومساءلتها عن الخروقات المتعلقة بصرف المال العام وفي التوظيف وغيرها، فإن السياسي يصبح محط أنظار الجميع.
ثالثا لأن من السياسة تخرج الحكومة، التي هي تعبير وتجسيد للانتخابات التشريعية، وبالتالي هي سياسية والحكومة تمثيل للأحزاب السياسية، الفائزة بالانتخابات، وبالتالي هي صادرة عن الأحزاب السياسية، وبما أن الحكومة لا تجسد قيم النزاهة والشفافية في كثير من الأمور والقرارات، فإن مساءلة السياسي حول الفساد تبقى قضية جدية.
ورابعا لأن الحكومة، المشكلة من السياسيين، هي التي تعين في المناصب السامية المفتاح وهي أكثر من 1100 كما يحددها القانون، والتي تحولت في الغالب إلى اقتسام للكعكة بين الأحزاب السياسية، وبالتالي فإن السؤال للسياسيين حول الفساد أساسي ومركزي، وتوجيه أصابع الاتهام للسياسيين ليس غريبا.
لكن ينبغي أن نقول كلمة ضرورية، هو أن المجلس الأعلى للحسابات لم يوجه الاتهامات للسياسيين وحدهم، بل يوجه الاتهامات والإنذارات والتوبيخات للإدارات بشكل يومي، فالإدارات المعنية تتوصل بنتائج الفحص للجواب عنها بشكل تلقائي، وتقارير المجلس الأعلى للحسابات مليئة بالتهم الموجهة للإدارات العمومية، لكن أخطر الجرائم المالية هي التي يرتكبها السياسيون لأنه أحيانا يجد السياسي من يقف إلى جنبه ويمارس ضغطا على القضاء أو ضغوطا كبيرة.
لكل هذا لا يمكن مواجهة تقارير المجلس الأعلى للحسابات حول فساد السياسيين، إلا بتقديم نموذج النزاهة في التسيير والتدبير، وأخبار الخروقات في المجالس لا تكاد تنتهي.
كثُر الفساد في البر والبحر
