Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

كلّما طال القرنُ (20) استطالَت مآسيه وكوارثُه

محمد فارس

[حربُ أفغانستان: 1979]: هي الحربُ التي جرتْ في (أفغانستان) قبْل سقوط (الاتّحاد السوڤياتي) بيْن المسلمين مِمّن دُعوا المجاهدين الأفغان، وبيْن الطّرف السوڤياتي، ولابدّ لنا أن نفْهَم شيئًا عن هذه المنطقة قبل ذِكْر الحرب في الثمانينيات التي عُرفت بالحرب الأفغانية: [أفغانستان] تقع جنوب غرب (آسيا)، يحدّها من الشمال (الاتّحاد السّوڤياتي) السابق، ومن الجنوب والشّرق (باكستان)، ومن الغرب (إيران)، وأرضُها جبلية في غالبها، وتتميّزُ بسلسلة جبال على شكل مرْوَحة مركزُها جبال (هندكوش)، وفيها أنهار، أطولُها نهر (هلمانْد)، وأمّا سُكّانها فمسلمون من حيث الدّيانة، وغالبهُم ذوُو مذهب سُنّي، وفيها شيعة، وجنسياتهم تتوزّعُ بيْن أفغان، وطاجيك، وتُركمان، وأُوزبك؛ واللّغاتُ السائدة: البشْتَوية، والفارسية، وهذه الأخيرةُ ذات نُطق تَعْبيري خاص صوتيًا..
تعَرضت [أفغانستان] للعزو الفارسي، فضُمّتْ في عهد (داريُوس الأول) إلى الإمبراطورية الفارسية عام (516) قبل الميلاد، وفَتحها (الإسكندر الأكبر) عام (326) قبل الميلاد في طريقه إلى (الهند)، ونشأتْ ممْلَكة (باكْتريا) المزدهرة ابتداءً من منتصف القرن الثالث قبل الميلاد إلى القرن الثاني قبل الميلاد، وقدِ استولى عليها (البارْثيون) والقبائل المتمرّدة، وانتشرت البوذيةُ فيها شرقًا، ولم يَدُمِ الحالُ هكذا، بل دخل غربيَها الفتحُ الإسلامي، حيثُ انثال الناسُ على الإسلام أرسالاً، وقد برز انقسامٌ إلى دُوَيْلات كثيرة؛ وفي القرن (11) الميلادي، ضمّ السّلطانُ (محْمود الغَزْنَوي) معظم البلاد مع أجزاء من بلاد (فارس) و(الهند)، ومن بعْده (جنكيزخان)، و(تيمورْلنْك)، حيث اتّخذَها (بابر) سليلُ (تَيْمورْلَنْك) قاعدةً من خلال عاصمتها (كابُل) لفتْح بلاد (الهند)، وتدفّقَ الدينُ الإسلامي على أرجائها.. وفي القرن (18) ميلادي، افتَتحها (نادِرْشاه فارس) لتكونَ كيانًا سياسيًا قائمًا برأسه، وشهدت [أفغانستان] ما عُرِف بالحروب الأفغانية بين (بريطانيا) و(روسيا)..
ظلتِ الأمورُ منحصرة في يد السيادة الإنجليزية، وتَبعيةُ حكّام البلاد للإنجليز، إلى أن بدأت الأحداثُ تتلاحق منذ السّبعينيات ببروز مشكلة (الهند)، و(باكستان) كمحور صراع أمريكي ــ إنجليزي تمامًا كالصِّراع في الشرق الأوسط، وبدَا أنّ مخطّطًا أمريكيًا بدأتْ أوراقُه تتّضح في عالم السياسة؛ وبمطالعة مُذكّرات الرئيس الأمريكي (نيكسون)، تظهَر أهمّيةُ الموقع الجغرافي الأفغاني كموقع استراتيجي هام في النّزاع السّوڤياتي الأمريكي، وبالتالي الإطلالةُ المتميِّزة على (أوروبّا)، والقدرة الهامّة لهذا الموقع على إحداث توتُّرات في المنطقة الأوروبية برمّتها، وقد كانت القضيةُ الأفغانية قضيةً دوليةً بيْن ما كان يُسمّى (الاتّحاد السّوڤياتي) وبين (أمريكا)، إذ شَعر (الاتّحاد السّوڤياتي) بأنّه أصبح دولةً إقليميةً لا وزنَ لها، ولا تأثير في الموقف الدولي برمّته، وكان على (الاتّحاد السّوڤياتي) إثباتُ وزنِه وثِقله، ولكي يَحصُل على هذا الأثر المرجو، كان لابدّ من اختلاق حدَث ذي قوّة ترغِم (أمريكا) على القَبُول بواقع دولة كبرى لها يدٌ غيْر قصيرة في المضمار الدّولي، فوقع الاختيارُ على [أفغانستان] لتحقيق هذا الأثر باحتلالها، فكانت حربُ [أفغانستان: 1979].
دارت رحى حرب طاحنة في الجبال الصّعبة والممرّات الضّيقة، حيث لا يمكن أن تسيرَ سيارة، وفيها حقّق المجاهدون انتصارات ساحقة، وصوّرَ الأمريكانُ هذه الحرب بأنّها حربٌ بين الملاحدة والمؤمنين بالله الواحد، وأَرسلت دولٌ عربية مجاهدين، فنَجمتْ أوضاع جديدة بظهور قادة مِثل (قلب الدين حِكْمتيار، وبُرهان الدين رَبّاني) اللذيْن كانا يهْدفان إلى استلام السّلطة كما دلّتْ على ذلك الأحداث؛ وهنا بدأ قتالٌ عنيفٌ بين قادة الـمُجاهدين، وبرزَ التّطرف والإرهابُ بتأويل تعاليم الدّين، وفشَتْ ظاهرةُ الفتاوى المتطرّفة، وانسحبت القوات الرّوسية، وبقي في السّاحة (ربّاني) و(شاه مسعود) كقوّتيْن ضاربتَيْن تتنازعان السّلطة؛ لكنْ ما لم يكُن بالحسبان هو ظهورُ تشكيل نشأَ في الحرب ضدّ (روسيا) وهو تنظيمُ (القاعدة) بزعامة (بن لادَن)، وهو من الذين عَمِلوا في صفوف (أَمريكا)، وكان يمثّل المصالح الأمريكية، فماذا حدث؟ كان (بن لادن) من صُنْع (أمريكا)، وفي سنة (1994)، رفض (بن لادن) أن يتحالفَ مع (ربّاني) الذي أُزيحَ عن السّلطة، وظهر (الـمُلاّ عُمَر) وأَوهم الناس بتطبيق الإسلام، فظهرت حركة (طالبان) أيّدها (بنْلادن) الذي صار عدُوَّ (أمريكا) التي حاولتْ أن تَخلُقَ جوّا من التّنسيق في البلاد العربية بدعوى مكافحة الإرهاب والتّطرف بتصوُّر أمريكي جديد..

Exit mobile version