محمد عفري
انتخابات 2021 بالمغرب استثنائية. للمرة الأولى في تاريخ المغرب الحديث سيتوجه الناخبون إلى صناديق الاقتراع ليختاروا دفعة واحدة، وفي “رمية” واحدة، من يرونهم مناسبين لهم في المقاطعات (الجماعات) وفي الجهات وفي مجلس النواب. في يوم واحد سيكون قُضي الأمر الذي فيه يستفتون.
لدواعٍ صحية ووقائية، قبل الدواعي الأمنية وغيرها، تم اختزال الانتخابات الجماعية والجهوية والتشريعية في يوم واحد. ولذات الدواعي، ومخافة من هشاشة “الورق” أمام انسيابية فيروس كورونا وسلالاته الزئبقية في اختراق أجساد “الحِرفيين” الطبّاعين والمنتخبين والناخبين وأجساد كل من يدور في فلكهم أثناء الحملات الانتخابية، عصف الفيروس اللعين بمصير المنشورات الدعائية للحملات الانتخابية وعصف بأرقام معاملات دور النشر والمطابع التي اعتادت أن تكون الانتخابات ملاذا آمنا لانتعاش موسمي مفيد لكل غاية، لكنها رغم ذلك، لم تعصف برواج الأوراق النقدية التي تستعمل في كل الانتخابات وتدخل في الاستعمال الحرام، ولو أن فيروس الوباء التاجي الذي يمكنه بكل الأشكال اختراق المنشورات الدعائية للانتخابات بسهولة، يمكنه الانسلال أيضا بسهولة تامة عبر مد أو تسلم ورقة من قيمة مائة درهم أو ورقتين من قيمة مائتي درهم.
المال الحرام المستعمل في الانتخابات حقيقة مرة، توارثها المشهد الانتخابي المغربي منذ أول الاستحقاقات، وفرض نفسه فسادا مشتركا، وتحمّلت مسؤوليته بعض الأحزاب التي استمرأت شراء ذمم الناخبين عوض الوفاء بالعمل الجاد في خدمة الوطن والمواطنين، وشارك في استعماله الناخبون، الذين ذاقوا “الحلاوة” العابرة لـ”البيليكي” و”الذيبخشي” الزهيدين، قبل أن يتذوقها المرشحون وهم يقتعدون كراسي المسؤولية على رأس الجماعات الترابية والمجالس الجهوية وفي البرلمان وفي الوزارات إن استوزروا.
بالقدر الذي لا يمكن ضبط القيمة الإجمالية للمال الحرام المستعمل في الانتخابات الحالية بالأرقام، لا يمكن أيضا ضبط الدافع والمدفوع إليه، لأن عملية الفساد المالي في الانتخابات مرتهنة إلى طقوس معروفة، وأخرى مجهولة، لا تستطيع عين مجردة رصدها، وإن كانت سرعة البديهة تفهمها، والعقل يدركها، كما يفهمان ويدركان كل المتحركين في فلكها.
لكن مع ذلك، لا ينكر إلا جاحد أن أرقام المال الحرام المستعمل في انتخابات اليوم، كما في انتخابات السنوات الخوالي تقدر بالملايير، وهي قيمة مالية قادرة على إخراج ملايين العائلات من الفقر والهشاشة، كما هي قادرة على بناء مستشفيات ومدارس وطرق وقناطر وبنيات تحتية، وقادرة أيضا على فتح أوراش تنموية مختلفة، بإمكانها استيعاب الطاقات والكفاءات وإنقاذها من براثن البطالة والمساهمة في نمو الاقتصاد وتشجيع الاستثمار الأجنبي.
لا نريد أن يُفهم من كلامنا هذا، أننا ضد الانتخابات، لأننا مؤمنون أشد الإيمان بأن الانتخابات في الأول والأخير، تبقى آلية حقيقية لتكريس الديمقراطية ومجالا لخلق النخب وتجديدها وإفراز مؤسسات منتخبة ومجالس وحكومة، لكننا ضد انتخابات غير نزيهة، وضد السيبة بكل أنواعها في استعمال المال من أجل مقعد انتخابي، سواء كان على المستوى الجماعي أو الجهوي أو على صعيد مجلس النواب. نحن ضد أن يستمر المغرب في كل انتخابات، هو المغرب الذي تترشح فيه نفس العقليات وتستغل نفس “المحتاجين” و”المحتاجات”، بل ضد المغرب الرقمي الذي يستمر فيه استعمال الورقة النقدية من أجل صوت “مواطن” مقهور..
كورونا والمال الانتخابي الحرام
