Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

كيف تمهِّد الديمقراطيةُ الطّريقَ للطّغاة والمستبِدّين؟

محمد فارس
سُؤال: سيِّدي [التاريخ]، هل تحوّلتِ الدّيمقراطية إلى مسلك نَحْو الاستبداد؟ اِضرِبْ لنا أمثلةً من فضلك ممّا تختزنه ذاكرتُك كدليل على ذلك!
[جواب التّاريخ]: للإجابة على سؤالك، سوف أقتصر فقط على القرن العشرين.. في أواسط العشرينيات من القرن العشرين، اعتَمد [هتلر] على العنف، وعلى محاولات الانقلاب على حكومة [ڤَايْمار] الألمانية، وبعد محاولة (ميونيخ) ألقيَ عليه القبض، وأُدخِل السّجن في قلعة [غران سَاسُو]، وهناك أملى كتابه [كِفاحي] على صديقه [رودولف هيس]؛ وبعد ثمانية أشهر أُطلقَ سراحُه، وغيَّر خُططَه، واعتمد الأسلوب الدّيمقراطي، وقال: سنحطِّم الدّيمقراطيةَ بسلاح الدّيمقراطية، ودَخل الانتخابات ضدّ الرئيس [هايدنبورغ] لكنّه أخفق، فأعاد الكَرَّةَ في محاولة ثانية، ولكنّه لم يحصُل على النّصاب الذي يمكِّنه من تشكيل حكومة، وقد نال الحزبُ النّازي أصواتًا أكثر من أيّ حزب آخر، وصار قوّةً لا يستهان بها، ولكيْ يحصل على النّصاب المطلوب، تحالفَ الحزبُ النّازي مع الحزب الشّيوعي الألماني، وكان الشّيوعيون يعتقدون أنّ [هتلر] سيكون ضعيفًا، وأنّهم سيأخذون السّلطةَ في النّهاية، وكانوا على خطإ في اعتقادهم؛ وبعد وقت قصير، مات [هايدنبورغ] العجوز، فأعلن [هتلر] “الدّيمقراطي” نفسه رئيسًا، ومستشارًا، وقائدًا للجيش، وزعيمًا للحزب، فأدخل الشّيوعيين حلفاءَه في تشكيل الحكومة، إلى المعتقلات بصحبة الاشتراكيين خصومهم التّقليديين، ولكي يوطِّدَ أركان حُكمِه، قام بمجزرة [ليلة الخناجر الطّويلة]، ذهب ضحيتها صديقُه [إيرنيست روهم] قائد (إيسْ ـ أ)، ورئيس الجيش السّابق [ڤُون شلاَيْكَر]، وأسَّس [هِمْلَر] قوات [إيس ــ إيس] وأقام بذلك، دولةً داخل دولة، وسَيْطرَ النّازيون على (ألمانيا) بشكل كامل، ومُنِعَت الأحزاب، والنّقابات، وحرّية الصّحافة، وبرز إعلامُ [غوبلز] الـمُضلّل، واستولى على عقول الألمان كافّة، وقد استفادتِ الدّولُ من ذلك، وأدركتْ ما للإعلام من تأثير على الشّعوب، وهو ما نراه في عالم اليوم، وحتى الدّول التي تتبجّحُ بكونها ديمقراطية، توظِّف الإعلامَ المُضلِّل والمؤثِّر في خداع الشّعب، وبدَا [غوبَلز] مجرّدَ تلميذٍ أمام هؤلاء الذين يتحكّمون في وسائل الإعلام المنتشرة هنا وهناك..
سؤال: سَيِّدي [التّاريخ]، يقولون بلا كلل إنّ [الولايات المتحدة الأمريكية] تعتبَرُ رائدةَ الدّيمقراطية في العالم، فما رأيُكَ في هذا الزّعم؟
[جواب التاريخ]: خلال زيارته إلى [برلين] الغربية، سنة (1963)، ألقى الرئيسُ الأمريكي [جون كنيدي] خطابًا اعتُبِر تاريخيًا وقتَها، ومن بين ما قاله في الخطاب قولُه: [إنّ ديمقراطيَتنا ليست مثالية]، وقد صدق في ذلك، لأنّه نصَّب في الحُكم في [ڤيتنام] الجنوبية، حاكمًا فاسدًا ومستبدّا هو [ديِيم]، وقد قُتِل بعْد (23) يوما من مقتل [كنيدي] في [دَلاس تيكساس].. فأمريكا ساندت بل ساعدت على قيام ديكتاتوريات عبْر العالم، وأسقطتْ رؤساء انتُخِبوا ديمقراطيًا مثْل الرئيس [ألانْدي] في [الشّيلي]، ودعَّمتِ الجنيرال [بينوشي] الدَّموي سنة [1973]، كما دعَّمت [ماركوس] في [الفليبّين]، و[سُمُوزَا] في [نيكاراغوا]، و[باتِيسْطا] في [كوبَا]، و[الشّاه] في [إيران]، كما دعَّمت أنظمةً عسكريةً ديكتاتوريةً في كذا دولة مثل [البرازيل]، و[الأرجنتين]، و[اليونان]، و[تركيا]، ولا ننسى أنّها دعّمت وساندتْ كُلاّ من [دُوكْلير] في [بريتوريا العنصرية]، و[أيان سميت] العنصري في [روديسْيا]، و[موبوتو سيسيكو] في [الزّايير]، وأمرتْه بقتل [باتريس لومومبا]؛ لهذا فأمريكا تاريخها أسود، ويدُها ملطَّخة بالدّماء، ومهْما عملتْ، فلن تستطيع جَعْل العالم ينسى جرائِمها، ودوْلتُها قامت على رُفاة وقبور الهنود الحُمْر الذين أبادتهم عن آخرهم..
سُؤال: هذا لا يمنع سيّدي [التاريخ] أنّها ساعدت ديمقراطيات أم أنا مُخْطِئ؟
[جواب التاريخ]: يجب ألاّ تنخدع؛ فأمريكا دولة براغماتية، فإذا كان الدّيكتاتور في صفِّها، وصفتْه بالديمقراطي، وادّعت أنّه يساعدها على محاربة الشيوعية؛ وإذا كان الرئيسُ ديمقراطيًا وليس في صفِّها، شنَّتْ عليه حملةً إعلاميةً، واتّهمتْه بالديكتاتورية، ووصفتْ نظامَه بالمارق؛ فهي بارعة في الأعذار، متفوِّقة في اختراع التُّهم، ولها موازينُ عدّة؛ وفي الحُكم على أيّة دولة، لها ميزان، ولها معايير شتى.. فمثلاً، إذا كانتِ الدّولةُ لها موارد نفطية ولا تخدُم أمريكا، شنّتْ عليها حربًا بدعوى إحلال الدّيمقراطية، وإذا كانت دولةً استبدادية ثرواتُها في متناول أمريكا، وصفتْها بالدّيمقراطية، وهادنتْها بدعوى الحفاظ على استقرار المنطقة، وأنت ترى أنّ كلّ رؤساء أمريكا يتشابهون في السّياسة أكان الرئيسُ جمهوريًا أو ديمقراطيًا، فلا فرقَ مثلا بيْن [ترومان]، و[جونسون]، و[نيكسون]، و[ريغان]، و[بوش]، و[ترامب]، والذين سيأتون من بعدهم، حيث سيكونون طُغاة، ورجال أعمال، ودعاة حروب، وتوتُّرات دولية، وتِلكم هي الدّيمقراطية الغربيّة المزعومة بشكل عام..

Exit mobile version