Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

كيف حذَّر الأنبياءُ والفلاسفة من حكومة التّجار؟

طلب العبّاسُ من النبي عليه الصّلاة والسلام أن يولّيه إمارةً أو منصبًا، فأجابه النبي الكريمُ قائلاً: [يا عبّاس، يا عمَّ محمّد، إنّنا لا نولّي هذا الأمرَ مَن يَطلبه].. فهل هناك في الحكومة أو في البرلمان من كان يَخشى المسؤوليةَ، فقلدناه إيّاها لِورعِه وتقواه وكفاءته أم كانوا كلّهم وبلا استثناء طلاّبَ دنيا وعبدةَ مناصب وكهنةَ أدْيِرة تسمّى جِزافًا مؤسّسات؟ وهذا العلامة الشّيخ [طَوْس] أرغَمه الخليفةُ على القضاء، فعاد إلى بيته فوجدتْه ابنتُه يبكي فسألتْه: [ماذا يُبْكيكَ يا أبتاه؟] فأجاب: [ألا تَدْري يا بُنَيّة أنّ أباكِ قد ذُبِح بلا سِكّين وقد وُلّيتُ القضاء!]، فمَن من هؤلاء الّذين نراهم في مشهد فولكلوري تحت قبّة البرلمان من كان لا يرغب في مقعدٍ ولا يطلب المسؤوليةَ خشيةً منها؟ لقد كانوا كلّهم يَستميتون، ويَكْذبون، ويَمْكرون بهدف بلوغها؛ مَن مِن هؤلاء الوزراء مَن كانت تُرعبه المسؤوليةُ ويتذكّر قول النّبي الكريم: [إنّها في الدّنيا إمارة، وفي الآخرة خِزْيٌ وندامة إلاّ مَن أخذها بحقِّها وأدّى ما عليه فيها؟ وللحديث عن حكومةٍ وبرلمان أسوقُ هذا البيت الشّعري: [حكومتكم يَصومُ فيها الصِّدقُ * وتُخْصى في برلمانكم الفُحُولُ.. إذا قام فحلٌ تَحيَّر * هل يَصمت أمْ لِلْحقِّ يَقول].. (كَبُر مَقْتًا عند الله أن تقُولوا ما لا تَفعلون) قرآن كريم.
نعودُ الآن إلى التّجار الذين سيسيرون بالأمّة نحو الرّقي والازدهار، فنقُول إن النبيَّ عليه الصّلاةُ والسلامُ لم يُولّ يومًا مسؤوليةً تاجرًا أو فلاّحًا أو ثريًا من أثرياء قريش وقد كانوا صحابةً، فهل وَلّى منصبًا أو مسؤوليةً يومًا [عبد الرحمان بن عوف، أو عثمان بن عفان، أو أبا هُريرة] وغيْرهم، وقد كانوا كلهم أغنياء؟ أبدًا، لم يَحْدُثْ! وهذا [عمرُ بن عبد العزيز] الذي في عامين أصلحَ البلاد وأسعَد العباد، وكان لا يُوَلّي تاجرًا منصبًا أو مسؤوليةً إذ كان يقول إن الوزير إذا اشتغل بالتّجارة استأثر وأصاب ظلمًا وإنْ حرصَ ألاّ يَفعل، وكان يمنع الجمعَ بين راتبيْن، وإذا كثُرت الشّكايات بوزير كان يقول له: [كثُر شاكوك، وقلَّ شاكِروك، فإمّا اعتدِلْ أوِ اعتزِلْ]؛ وهذه الحكومةُ كثر شاكُوها بدليل الغضب والاحتجاجات، فما اعتدَلت ولا اعتزَلت، وإن رفضَها الشّعب..
لكنْ ما موقفُ الفلاسفة من حكومة التّجار؟ وسنستعرض ما قاله الفيلسوفُ [وِيل ديورانت] حولَ حكومة يشكّلها التّجار، وعبدة المال؛ يقول هذا الفيلسوفُ بصريح العبارة: [إن أعمَق أساس لِـما يسود حياتنا السّياسية من نِفاق وفساد هو طغيان المال على الانتخابات، فتبرز فئةُ التّجار الذين يُخضِعون القرارات السّياسية لملايين الدّولارات بدل إخضاعها لما يطالب به ملايين النّاس؛ في هذه الحالة تصير الأمة محكومة بأصغر رجالها، والتّجار يعتبرون العِلمَ والمعرفةَ لعنةً، وثروتُهم وسياستهم سَتُفضي بالبلاد إلى الخراب لا محالة، لأن الأمة بحاجة إلى حكمائها ومفكّريها لا إلى أغنيائها وتجّارها، فلا فرقَ بيْن دولة تولّى شُؤونَها عسكريون أو تجّار وأثرياء].. وهذا [جون ماكّين] كان طيّارًا مقاتلاً في سلاح الجوّ الأمريكي، وكان له تاريخٌ مجيد، استاء عندما فاز [ترامب] في الانتخابات الأمريكية، وأعلن أنّ [ترامب] رجُلُ أعمال لا رجُل سياسة، فأوصى قبل موته بألاّ يَحضر [ترامب] جنازتَه، وكذلك كان..
هل هناك فيلسوف آخر حذّر من حكومة التّجار؟ الجواب: نعَم! كيف ذلك؟ يتعلق الأمرُ بالفليسوف الألماني [نيتْشَه]، فماذا قال عن التّجار عندما يَحْشُرون أنوفَهم في السّياسة ويتولّون تدبير شأْن الأمّة؟ قال: [إنّه لـمِن علامة انحطاط أُمّة، أن يكون رجلُ المال والتّجارة موضعَ تبجيل وتقديس، كما أن أصحابَ المال والتجار فهم عبيد وضحايا الرِّبح والعمل والكسب، وليس لديهم الوقتُ للاطّلاع على الآراء الجديدة، بلِ التفكيرُ عندهم حرام، ومتعةُ العقل فوق متناولهِم، ووراء بلوغهم، وهذا هو السّببُ في ضَجرهم وبحثهم المتواصل عن الكسب، ومُتَعُهم تهبط بالعقل، ولا تُنعشه؛ إنّهم يجْنون المالَ ولا يزيدهم هذا المالُ إلاّ فقرًا].. وفعلا هؤلاء التجار فقراء عقلاً وتدبيرًا، وما تراه في حكومتِنا الحالية لخيرُ دليل..
ولكنْ هناك فيلسوفٌ يَرى أنّ التجارَ هم أحقُّ بتسيير شؤون الدّولة، وهو نفسُه كان من أغنياء عصره، ونقصد بذلك الفيلسوف الفرنسي [ڤُولتير].. كان هذا الفيلسوفُ يعتقد أنّ الأثرياءَ إذا ما تولَّوا شؤُون الأمّة، فإنّهم لن يَطْمعوا في ثروات الدّولة، بعكس الفقراء، ولكنّ [ڤولتير] لو رأى ما يحدُث اليوم من سَلْب، ونهْب وتخوُّض في أموال الدّولة ومن استهداف لجيوب وأقوات المواطنين من طرف حكومة التّجار لغيّرَ رأيَه ولاتّخذ موقفًا آخر من نظريتِه.. وهذا [إسبينُوزا] يرى أن حَصْرَ الانتخابات والمناصب في أصحاب المواهب والمقْدرة والعِلم والخبرة يَغلقُ بابَ المناصب الكبيرة في الدّولة أمام الدّجالين والمنافقين والجهلاء والأغنياء؛ وعلى الدّيمقراطية أن تحلَّ هذه المشكلة..

Exit mobile version