Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

كيف خَدَم الأثرياءُ الوطنيون أوطانَهم؟

محمد فارس
كانت أمّةُ الإسلام قد عانت من جفاف شديد وحرٍّ قاسٍ حتى سُمِّي ذلك بعام الرَّمادَة، لأنّ العُشْبَ لِشدّةِ الحرارة والقَيْض أي [la canicule] تَحوَّل إلى رماد، وعانى المواطنون من قلّةِ الزّادِ والعتادِ والماء تمامًا كما هو حالُنا الآن في [المغرب] حيث لا خُبْز، ولا ماء، فاستنفرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أغنياءَ الأُمّة وأثرياءَها كي يوفِّروا احتياجات المسلمين من بضائعَ وغيْرها، خصوصًا وبعضُ المسلمين كانوا حديثي العهد بالإسلام، فخاف الرسول عليه السلام من ردَّتهِم أو هِجْرتهِم إلى بلاد الكفر، لأنّ الجوعَ كما قال الإمام [عليّ] كرّم الله وجهَه: [كاد الفقر أن يكونَ كفرًا]؛ فتجنّدَ الأغنياءُ المحبُّون لله ولرسوله وللأمّة واستجابوا لِدَعوة النّبيِّ الكريم، فكانت قوافلُ الأغنياءِ لا تتوقّف، وكلّ لحظة وحين كانت تدخُل قافلة محمَّلة بالسّلع والبضائع التي يَجودُ بها الأغنياءُ خدمةً للإسلام، ورحمةً بالمسلمين، دون أن تَعْرِف هذه البضائعُ أيّة زيادة أو غلاءٍ، كما يفْعل أغنياءُ الجشعِ اليوم في [المغرب] المسلم، المقهور، والمغلوب على أمرِه، حيث أغنياؤُه يَعتبِرون الأزمة فرصةً للرِّبح والاستزادة، دون وازعِ ضمير..
دعْنا الآن نستعرض ما قاله المؤرِّخون عن إحدى هذه القوافل وهي تدخل مجال المدينة [المنوَّرة] محمَّلةً بكلّ ما يحتاجُه المسلمون خلال أزمة [عام الرَّمادة]: قال المؤرّخون: [ذات يوم والمدينةُ ساكنة، أخذ يَقْترب من مشارفها نقعٌ كثيف راحَ يتعالى ويتراكم حتى كاد أن يُغطِّي الأفُق، ودفعتِ الرّيحُ هذه الأمواج من الغبار المتصاعد من رمال الصّحراء، فاندفعتْ تقتربُ من أبواب المدينة، وحسِبَها الناسُ عاصفةً، لكنّهم سرعان ما سمعوا وراء ستار الغبار، ضجّة تُنْبِئ عن قافلة كبيرة مديدة، ولم يَمْضِ غيْر وقتٍ قصير، حتى كانت سبعُمِائة راحلة موقَرة الأحمال تزحم شوارعَ المدينة، وترجُّها رَجّا، ونادى الناسُ بعضهم بعضًا ليروا مشهدَها الحافل وليستبشِروا ويفرحُوا بما تَحمِله من خيْر ورزْق، وسألتْ [عائشةُ] رضي الله عنها: ما هذا الذي يَحدُث؟ فقيل لها: إنّها قافلةُ [أخنوش]، عفْوًا قافلةُ [عبد الرّحمان بن عَوْف]..
وهذا [عُثمان] الثَّري، العريض الثّراء، قد وجدَ ترْياقَه من إغراء المال، لا يكادُ يُبْصر التّجارَ الجشِعيـنَ يهمُّون باحتكار الأرزاق، أو بيْعها بثَمن باهظ بهدف الربح، حتى يُرْسل قوافلَه لتَعودَ محمَّلة بما يفْسِد عليهم احتكارهم ويُصيبُ استغلالهم بخيبة أمَل قاتلة، ورأيناه لـمُحاربة العطش، يَشتري (بِئْر معُونة) وحْده، كما رأيناه يجهِّز جيشَ العُسْرة بنفقات بالغة تنوءُ بها الخزائن الممتلئة، وإذا جاءتْ رواحِلُه من (اليمن) أو من (الشّام) مُحمّلة بالخيرات، وتواكبَ حَوْلَها تجّارُ المدينة وما حَوْلها، دخل معهم في مساومات شيِّقة، فزادَ في ثمنِها، فينصرف عنه تُجّارُ المضاربات ومحبُّو الرّبح، فيقول: اللهمّ إنّي وهَبتُها فقراءَ المدينة بلا ثمن، وبلا حِساب.. هؤلاء همُ الأثرياءُ الذين يحتاجهُم الوطن وقْتَ الشّدة وأيامَ الأزمات الخانقة، فهل لنا مثلُ هؤلاء اليوم والحالةُ هاته؟
قد يسألني القارئ الكريم عن أثرياء بنَوْا أمجاد أوطانهِم بأموالهم واستخدموا ثرواتهِم في مشاريعَ ضمِنَتْ لهم الخلودَ في التّاريخ، نذكُر بعضًا منهم لِضَيقِ الرُّقعة.. أُسرة [أَنيلِلّي] الإيطالية الثّرية، بنتْ مصنعًا لِلسّيارات تَعرف بها [إيطاليا] اليوم، وهي سيارةُ [فياط] الشّهيرة.. والثّريُّ اليهودي الفرنسي [آنْدرِيه سِيتروين]، صاحبُ مصنع سيّارة [سيتْروين] المعروفة بِوَرَقتَي البرْسيم.. والثّري الفرنسي [لوِي رُونُو] صاحب مصنع [رونو]، و(رونُو) اليوم تسمَّى سيارة فرنسا.. والثّريُّ الآخرُ [جون بيِير بُوجو] صاحب مصنع سيّارة [بوجو] ورمزُها الأسد.. وأُسرة [كوانتس] الثّرية الألمانية صاحبة مصنع سيّارة [B-M-W] الشّهيرة.. والمرأةُ البريطانيةُ الثّريةُ [فانِي هيُوسْتن] التي دفَعتْ للمهندس [ميتْشل] مبلغًا خياليًا لتطوير طائرتِه وهي الطّائرةُ التي طُوِّرتْ وصارت تسمّى [سبِيتْ فَايْر] وبها انتصر الإنجليزُ على الألمان خلال معركة [بريطانيا] سنة (1941)، فأَرِيني ما فعله أثرياءُ (المغرب) لوطنهِم أو لشعبِهم غيْر البحث عن الرِّبح وتكديس الثّروات عبْر الزّيادات في الأسعار، ودَعم لوبيّات المحروقات، واحتلال مناصبَ مُربحة في قطاعات الدّولة، وتعيين الفاشلين في الحكومة، وفي الإدارات، وفي البرلمان، ثمّ جهلَة في السِّفارات، والقنصليات، يكلّفون بلادنا المليارات دون نتائج تُذْكر، ولعلّ فضيحة الدبلوماسيين الفسَقَة في دولة [كولومبيا] لخيْر دليل على طبيعة من يتحمّلون مسؤولية الدِّفاع عن القضايا الوطنية، ولن أذْكُر هذه الفضيحة لأنها لا تشرِّف وإن كانت تعكس حقيقةَ أيِّ دَركٍ نَزلتْ إليه بلادُنا مع كامل الأسف..

Exit mobile version