Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

كيف ضاعت فلسطين ولماذا لم تنتصر إسرائيل؟ -1-

جان بيار فيليو

إعداد: إدريس عدار

الكاتب، الذي نعرض فقرات من كتابه خلال رمضان، أستاذ تاريخ الشرق الأوسط المعاصر في معهد العلوم السياسية بباريس، وعمل أستاذا زائرا بعدد من الجامعات الأمريكية. متخصص في قضايا الجماعات الجهادية، حيث أصدر عددا من الكتب في هذا الموضوع. حاز عددا من الجوائز، كما عمل في السلك الديبلوماسي في سفارات فرنسا بدمشق وعمان وتونس وعمل في مكتب رئيس الحكومة الفرنسية.
في كتابه “كيف ضاعت فلسطين ولماذا لم تنتصر إسرائيل؟” يناقش الكاتب السرديات التاريخية والكبرى للإسرائيليين والفلسطينيين، ويرصد سياق النزاع، منذ ما قبل ظهور الحركة الصهيونية وإلى اليوم حيث يرفض نتنياهو كل الحلول، المبنية على القانون الدولي، مفضلا خيار الإبادة. ويعرج الكاتب على وعد بلفور، الذي بموجبه توعد وزير خارجية بريطانيا لروتشليد بإقامة وطن قومي لليهود، مرورا بالانتداب البريطاني تم النكبة، التي تسببت في هجرة مئات الآلاف من الفلسطينيين، لتفرض إسرائيل سيطرتها على معظم الأراضي الفلسطينية، ولم يفت الكاتب الحديث عن العلاقة بين المسيحية الانجيلية والصهيونية، كما يتحدث عن علاقة الحركة الفلسطينية بالقومية العربية وبالعرب عموما، وينتقل للحديث عن أوسلو وآفاق السلام بين الطرفين، لكن يرصد جملة التناقضات التي تؤثر على الصراع.

Jean-Pierre Filiu, Visiting Professor of International and Public Affairs, at Columbia University. Filiu is also a professor at the French university Institut d’��tudes Politiques de Paris. (Photo by James Leynse/Corbis via Getty Images)

يبدأ الكاتب مقدمة كتابه بالحديث عن شخصية معروفة، سياسي انتمى للحزب الشيوعي الإسرائيلي وروائي معروف هو إميل حبيبي:
إميل حبيبي فلسطيني ذو جنسية إسرائيلية، “عربي” “إسرائيلي” للإسرائيليين و” من فلسطيني 1948″ بالنسبة للفلسطينيين. وعندما ولد لعائلة مسيحية في حيفا عام 1922، كان السكان اليهود أقلية كبيرة في هذه المدينة. ولكن في عقدين من الزمن، سوف يصبح عددهم مثل عدد السكان العرب الأصليين، النقطة التي تم فيها ضم حيفا في عام 1947 من قبل الأمم المتحدة، في خطة التقسيم الخاصة بها من فلسطين إلى الدولة اليهودية المستقبلية.
حبيبي، شيوعي مقتنع، يؤيد قرار التقسيم ويتمسك بأرضه، في حين أن مئات الآلاف من الفلسطينيين تم دفعهم إلى النزوح الجماعي في عام 1948. أصبح مواطنا إسرائيليا وواصل النضال داخل صفوف الحزب الشيوعي الإسرائيلي، التنظيم الوحيد في الدولة الجديدة، الذي يقبل منخرطين من اليهود والعرب أيضا. حتى أنه مثل حزبه في البرلمان الإسرائيلي، الكنيست، خلال خمس مجالس تشريعية، ودافع في الوقت نفسه وباستمرار عن قناعاته الوطنية والتقدمية.
وفي عام 1972، تخلى عن انتدابه في الكنيسيت من أجل التفرغ لأعماله الأدبية، باللغة العربية، حيث نال، في 1990 جائزة القدس من منظمة التحريرالفلسطينية، وبعد ذلك بعامين، جائزة إسرائيل للآداب العربية.
يقول الكاتب:
إن هاتين الجائزتين المتناقضتين أدتا إلى خلافات ضارية من الجانبين، لكن يبدو ان حبيبي، بطرق عديدة، هو جسر عملية السلام، التي انطلقت عام 1993 بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية. لقد رفض هذا الكاتب الملتزم على الدوام أن يتحول إلى منتم إلى أقلية مزدوجة، فلسطينية في دولة ذات أغلبية ساحقة من اليهود، ومسيحية ضمن أقلية عربية مسلمة. لقد جعل من “سعيد المتشائل”1 تجسيدًا لمأساة فلسطينية ذات قيمة عالمية، حيث يلعب التفاؤل والتشاؤم طرفين متعارضين.
عندما يستحوذ التفاؤل على سعيد، يعزّي نفسه بأن الكارثة الحالية ليست خطيرة في نهاية المطاف، ويرد المتشائم بداخله بأن الأسوأ قادم، على العكس من ذلك.
وهكذا يصل المزاج الفلسطيني، تحت قلم حبيبي، إلى درجات من الظلام والمرارة لا يُحسد عليه المزاج اليهودي. ولا يمكن لأحد أن يفعل أفضل من أن يقدم له مقدمة هذه الدراسة عن الهزيمة المتناقضة لدرجة أنها لم تجلب السلام ولا الأمن للحزب المهيمن. لكنها في الواقع هزيمة تاريخية يجب الاعتراف بها قبل رفض العمليات التي جعلتها ممكنة. عندما منحت عصبة الأمم بريطانيا العظمى الانتداب على الأراضي العثمانية السابقة في فلسطين عام 1922، كان عدد السكان العرب هناك يمثلون 90%، على الرغم من أن لندن التزمت بإنشاء “وطن قومي للشعب اليهودي”2 هناك.
ويعيش بعد قرن من الزمان، عدد متساو من اليهود والعرب في أرض فلسطين هذه، لكن دولة إسرائيل تمثل 77% من مساحتها وتحتل معظم المساحة المتبقية، ولم تترك لـ”السلطة الفلسطينية” سوى الجزء الأدنى من الضفة الغربية، بينما يسيطر الإسلاميون التابعون لحركة حماس على 1% من قطاع غزة. لقد تمكنت الحركة الصهيونية، التي لم تكن تمتلك سوى جزء صغير من فلسطين العثمانية في بداية القرن العشرين، من إسقاط مثل هذه النسبة لتترك فقط نسبة قليلة من هذه الأراضي في أيدي سلطتين فلسطينيتين، مشلولتين بسبب تناقضاتهما.
بدلاً من التشجيع على قيام دولة فلسطين مستقلة إلى جانب إسرائيل كجزء من “حل الدولتين”، يرفض جو بايدن، في عام 2021، التراجع عن الحقائق التي حققها سلفه دونالد ترامب، وفي مقدمتها الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، بما في ذلك الجزء الشرقي منها، المحتل منذ عام 1967. ربما تكون “عملية السلام” التي بدأت قبل ثلاثة عقود قد دُفنت، لكن الولايات المتحدة تستبعد أي طرف آخر من المشاركة في الوساطة الإسرائيلية الفلسطينية، وهي الإملاءات التي تحرص روسيا والصين على عدم تحديها. أما بالنسبة لاتفاقيات أبراهام لعام 2020، فإن ركيزتها هي التحالف الاستراتيجي الآن بين إسرائيل، الدولة التي تأسست على تجريد الشعب العربي من ممتلكاته، والإمارات العربية المتحدة، وبالتالي، يمكن لديناميكية التطبيع هذه، في العالم العربي، أن تبقى مجردة بسبب ارتباط المجتمع المدني المستمر بالقضية الفلسطينية. إن الهزيمة التاريخية للحركة الوطنية الفلسطينية هي أكثر مرارة من غيرها، لأنه لم تستفد أي حركة تحرير بلا شك من دعم سياسي ودبلوماسي ومالي بهذا الحجم، حيث كانت، في ذروة قوتها، تبلغ إيراداتها السنوية حوالي مليار دولار ودعم الأغلبية الساحقة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. إن فهم ديناميكيات مثل هذه الهزيمة أمر ضروري للتغلب على المأزق الفكري المزدوج: فمن ناحية، هناك أسطورة الدولة ثنائية القومية، المشتركة بين اليهود والعرب، وهو الخيار الذي رفضته الصهيونية المنتصرة اليوم منذ ما يقرب من قرن من الزمان، ومن ناحية أخرى، فإن القضية الفلسطينية “دُفنت” مرة واحدة وإلى الأبد، في حين أن ارتباط السكان الأصليين بأرضهم يلقي بظلاله الدائمة على مستقبل إسرائيل. ومن أجل عدم الاستسلام لواحدة أو أخرى من أوجه القصور هذه، من المهم إعادة النظر في الروايات الرئيسية لكل من الإسرائيليين والفلسطينيين وتسليط الضوء على الأصول الفعالة للأقوى، بما في ذلك الأسبقية المسيحية للصهيونية، ونقط الضعف البنيوية لدى المهزومين، الذين عانوا كثيراً من انهيار وهم القومية العربية، بعد أن استفادوا منه كثيراً.

1- يقصد الكاتب هنا رواية إميل حبيبي “الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل” المعروفة بـ”المتشائل”.
2- يشير الكاتب هنا إلى وعد بلفور الصادر عن وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور في رسالة إلى البارون ليونيل ذي روتشيلد أبرز الوجوه اليهودية في العالم حينها.
3- الكتاب صادر قبل الحرب الحالية التي تشنها إسرائيل ضد الفلسطينيين.

Exit mobile version