Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

كيف كانت نهايةُ دعاة الانفصال من منظورٍ تاريخي؟

محمد فارس

سألتُ التّاريخ في ما إذا كانت لديه حكايةٌ أخرى حوْل وباء الانفصال، ومحاولات إقامة الجمهوريات الوهمية كما يحاول (خوارجُ العصر) إقامتَها في صحرائنا المسترجعة بتعاون مع الطّغمة العسكرية الكابسة على أنفاس الشّعب الجزائري، وهو في الأصل شعبٌ مغربي كما يَذكُر التّاريخُ بكلّ وضوح وجلاء، فكان جوابُه: نعَم؛ هناك حكايةٌ أخرى عن الانفصال، ولكنْ هذه الـمُحاولة أُجهِضَتْ وقُذِفَ بها في المزابل.. قلت: وما هي هذه الحكاية، وأيّ بلد عانى من وطْأتها أيّها التّاريخُ الحكيم؟ قال: [حدثَ مثلُ هذا لبلدٍ اسمُه (إسبانيا)؛ وللتّذكير فقط، فإنّ العربَ همُ الذين استكملوا الوحدةَ التّرابيةَ لدولة (إسبانيا)، حيث طَردوا (فرنسا) التي كانت تحتلّ إقليمَ (كتالونيا) وولاية (ليون)؛ والإسبانُ لا يذْكرون ذلك إطلاقًا، ولكنّه حدث وإنْ أغفلَه الـمُعادون للإسلام.. هل تعْلم أنّ (فرنسا) استعمَرت (المغرب) بتزكية من ملكِ (إسبانيا) المدعو (ألفونس. 13) وهو جدُّ (خوان كارلوس)، وأنّ (ألفونس) هذا، هو من أُسرة (لويس دي بوربون) التي حكمتْ (فرنسا) لقرون عديدة، فكان (ألفونس) أقْرب إلى الفرنسيين مِن قُرْبِه إلى مملكة مغربية مثْل المملكة الإسبانية؛ ولكنّ (ألفونس) نُفِيَ خارج البلاد ولم تنفعْه (فرنسا) التي زكّى استعمارها للمغرب، ولم يُعِدِ الملَكيةَ إلى (إسبانيا) غيْر (فرانكو) الـمُتَديِّن، والذي خاف قبْل أن يَلفظ أنفاسَه الأخيرة من عودة الشّيوعيين وسَيْطرتِهم على الحُكم؛ فلو عاد مثلاً الشّيوعيون، لعانى (المغربُ) منهم سنين طويلة لاختلاف الملكية مع الإيديولوجيا الشّيوعية البغيضَة]..
قلتُ: ياه؛ زدْني، زِدْني سيّدي التّاريخ، فما أجمَل الجلوسَ إلى حضرتِكَ؛ هذه حقائقُ لم نسمعْ بها قَطُّ.. قال: [هم يَأخذون من حديثي أنصافَ الحقائق خدمةً لأهدافهم، وكمْ قَوّلُوني ما لم أَقُلْهُ يومًا، ولكنّ الحقيقةَ واصلة لا محالة رغْمَ مِشْيتها السُّلَحْفائية والحقُّ يعْلو ولا يُعْلى عليه].. قلتُ: وما حكاية (إسبانيا) مع محاولات التّجزئة والانفصال سيّدي التّاريخ؟ قال: [لقد عانت (إسبانيا) من إرهاب منظّمة (إِيتا) الانفصالية في إقليم (الباسْك)، وأهمّ مدينة فيه هي (بيلباو)؛ لقد عاثَتْ في البلاد فسادًا، وقتلاً، وإرهابًا، وكان التّعاون قائمًا بيْنَها وبيْن (باسْك) (فرنسا) في الجهة الـمُقابلة.. لقد قتلَتْ رجالاً بارزين، وعسْكريين، وسياسيين، وعُمداء، وبرلمانيين، نخصُّ منهم بالذّكر الجنيرال (كارِّيرو بلانكو) الذي اغتيلَ سنة (1973)، وكذلك المستشار (ميجال أنخيل بلانكو) سنة (1997)، وشخصيات أخرى وما أكثرَها، كانت ضحية الإرهاب الأعمى لدُعاة الانفصال؛ ولكنْ بفعْل المساندة الأوروبّية والحزْم، استطاعت (إسبانيا) التّغلُّب على هذه الظّاهرة وعاد الانفصاليون إلى الوطن..
[ثابوا عن خطاياهم، وهو ما فعلتْه كذلك منظّمة (الفارك) الشّيوعية في (كولومبيا) التي قتلتِ الآلاف من الناس مستعينةً بمداخيل الـمُتاجرة في المخدّرات، وقد عانت البلادُ من أقوى منظمة إرهابية وأَطْولها عمرًا في التاريخ؛ كما لا ننسى منظّمة (الجيش الإيرلاندي) المسمّى (ليرَا)، وقد قتلتْ شخصيات بارزة في التّاريخ؛ ومن أهمِّها اللُّورد (مُونباتَن) سنة (1977) وقد كان له دورٌ بارز في الحرب العالمية الثّانية في (بريطانيا)، وكان نائبًا للملك في (الهند).. ولكنّ (ليرا) وضعتِ السِّلاح، وارتاحتْ من الإرهاب كلٌّ من (إيرلاندا) و(بريطانيا)، لكنّ بعض الزّعامات الانفصالية ما زالتْ تطفو تارةً وتخبو تارةً أخرى في إقليم (كتالونيا) في (إسبانيا) ومن ورائها دعاةُ الانفصال من منظّمات، وجمعيات، وأحزاب تريد تجزئةَ البلاد بدعوى تقرير المصير، وفي هذا الإقليم، تكثُر، وتستقرّ الجهاتُ التي تساند دعاةَ الانفصال من عُملاء وخونَة ضدّ وحدة المغرب التّرابية..]..
إنّ المشكل في حقيقته ليس مع ميليشيا إرهابية تسمّى (البوليساريو)، ولكنّ الـمُشكل هو في الحقيقة مع (الجزائر) باعتبارها خالقةَ هذه الجماعة الإرهابية، وبذلك أصبحت [الجزائر] دولةً راعيةً للإرهاب.. فمن مَوَّل وساعد في إقامة معتقلات تُشبِه إلى حدٍّ ما معتقلات مثْل (تريبْلينْكا) أو (سُوبيبُور) أو (بيرْغَن بيلْسَن) النّازية غيْر الطُّغمة العسكرية التي تَحكُم الشّعب الجزائري بالحديد والنّار؟ وعلى أيِّ أرضٍ أُقيمت هذه المعتقلات؟ كان النازيون كلّما جاءتْ لجنةٌ لزيارة هذه المعتقلات، كان يقدّم لها وعن بُعْد أناسٌ مبتسمين، يُحيّون اللّجنةَ من بعيد، فكانت هذه المعتقلاتُ كما تقول النّازية مخصَّصة للعمل، في ما هي كانت سجونًا للتّعذيب، والأعمال الشّاقة، ولم يَكتشفِ العالمُ الحقيقة إلاّ بعد انهيار النّازية.. المشاهدُ نفسُها تتكرّر اليوم في معتقلات (تيندوف)، حيث يُظهِر (البوليساريو) السّجناءَ على أنّهم صحراويون يطالبون بتقرير المصير، في ما هُم سُجناء مجبَرين على تمثيل مسرحيات سوداء أمام الكاميرات، فلو فُتِحَت أبوابُ هذه المعتقلات وتُرِكَتِ الحرّية للسّجناء، لعادوا إلى وطنهم، ولكنّ الطُّغمة العسكرية توظِّفهم لخدمة أهدافها، ولإقامة كيانٍ (فانتُوش) يفْصِل (المغربَ) عن عُمقه الإفريقي، ولكنّ الطّغمة العسكرية في الجزائر، وصنيعتها الإرهابية في (تيندوف) واهمتان؛ فهل تَظنّان، وهو ظَنٌّ وهْمي أنّ (المغربَ) الذي استردَّ صحراءَه، سيقدِّمها على طبق من ذهبٍ للجزائر والبوليساريو؟ من فعل هذا عبْر التّاريخ؟ فإذا كانت (الجزائر) تهْوى لعبةَ خلْق كيانات وَهْمية ومصطنعَة، فصحراؤُها شاسعة لتلعبَ هذه اللّعبة، وتكوِّن كيانًا للبوليساريو في صحرائها، وتُنفِق عليه من أموال الشّعب كما أنفقتْ عليه يوم كان مجرّد جماعة إرهابية تخدُم أجندات التّجزئة والانفصال.. فاللّعبة انتهتْ، وانفضحتْ معالـمُها، وكثيرٌ من الدّول فهِمت مقاصدَها، فسحَبت اعترافَها بها، لأنّ العالم اليوم، يسير نحو التّكتّل بدل التجزئة والتّشرذم، وعلى الطُّغمة أن تَعي ذلك، وتعترف بحتمية التّغيّر والتّطور..

Exit mobile version