Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

كيف نُقِلَت قضية [فلسطين] من السَّيِّئ إلى الأسوَإ؟

محمد فارس

برزَ على مسرح الأحداث، رجلُ دين تبنّى قضية (فلسطين) يُدْعى (أمين الحُسَيني)، مفتي (القدس)، فراهن على (هتلر) وكان يزوره باستمرار، فيما كان سياسيون يعارضون ذلك، ويَرَوْن أن الحوار يجب أن يكون مع الإنجليز الذين يَحتلّون (فلسطين) وليس مع الألمان،

 

فأفتى فضيلةُ المفتي بقتل السّياسي البارز (النَّشاشِيبي)، وفرَّ الباقون، والذي كان يجهله (أمين الحسيْني) هو أنّ (هتلر) كان يكره العَرب، وقد قال ذلك في كتابه (كفاحي): [زارني وفدٌ من العرب، فرفضتُ استقبالهُم، لأنّ العربَ…] معذرة، فلن أستطيعَ إتمام قولته العُنصرية.. وكان مستشارُ دولة عربية لا داعي لذِكْر اسمِها، يزور (هتلر) كلّ شهر في مقر إقامته (البيرغْهُوف)، وكان هذا المستشارُ يُدْعى (خالد الحوت) فكان يرفع التّحيةَ النّازيةَ عند وصوله.. المفتي (أمين الحسيْني) كان يزورُ باستمرار (موسّوليني) الزعيمَ الفاشي الذي كان يقول له إنّه قرأ القرآن، وأدرك أنّ الإسلام دينُ تسامح ومحبّة، وإنّه والله لكاذب، وهو الذي قتَل المسلمين في (ليبيا)، وشَنقَ المجاهد (عمَر المختار) سنة (1931)، وكان جنودُه يأخذون صورًا تذكاريةً وبأيديهم رُؤُوسُ المسلمين مقطوعة، فكيف كان (أمين الـحُسَيْني) يَجهل كلّ هذه الحقائق، لا، بل إنّه ذهبَ إلى (البوسنة) وأسّس الجيش الإسلامي النّازي، وكان يَرفع أمام المغرّر بهم التّحيةَ النّازية وهو يَرتدي اللّباسَ الدّيني الأسْود، وقد أدَّى مسلمُو (البوسنة) و(كرواتيا) الكاثُوليكية الثَّمنَ غاليًا في حرب البلقان الأخيرة، ومَقبرةُ (سيبْرِنيتْشا) شاهدة على ذلك، لأنّ (هتلر) هو مَنِ اعترفَ بدولة (البوسنة) وبدولة (كرواتيا) بزعامة (بَاڤْليتْش)..

يقول فلاسفة السّياسة، إنّه في السّياسة لا نختارُ بيْن الحسَن والأحسَن، بل نختار بيْن السَّيّئِ والأسوإ؛ ومعلوم أنّه حسَب فلاسفة الوجودية، فإن الوجودَ ناقص، وأن الإنسانَ يختار بيْن عددٍ هائلٍ من الاختيارات وذلك سبَبُ القلق، لأنّ الإنسان يتحمّل مسؤوليةَ اختياراتِه، أَكانت صائبة أو خاطئة، وهو ما نعانيه نحن اليوم، من سوء الاختيارات المتوالية لعدم وجود سياسيين محنّكين، بل تركْنا الاختيار لِرجال الدّين مثل (أمين الحسيْني)، و(القَرضاوي) الذي أفتى بقتْل (القذّافي) وجعل ذلك في رقبتِه؛ فهل أحوالُ (ليبيا) اليوم، أحسَن من أحوالها أيام (القذّافي)؟ إن أحوالها ازدادتْ سوءًا، وقد كانت من قبلُ سيِّئَة، هل أحوال (العراق) اليوم أحسَن من أحوالها السّيِّئة أيام (صدّام حُسيْن) أم أسوأ؟ كل ذلك بسبب رجال الدين عندما دخلوا ميدان السّياسة..

كانت أحوالُنا في (المغرب) سيّئة، ولكنّها صارت أسوَأ بوصول أصحاب الخلفية الدّينية إلى الحكم، وقد غَرَّرونا بالدّعوة إلى الله، لكنّ الدعوةَ في الواقع كانت لمصالحهم الشّخصية على حساب المصالح الشّعبية، فانتشَرت الانتحارات، والانهيارات للمنازل المتداعية، وتوالتِ الـمُظاهرات، ثمّ الطّامةُ الكبرى آتية عند إفلاس صناديق التّقاعد، وقد غرقَ البلدُ في الدّيون، لكنّهم أمَّنوا تقاعدَهم، ومصالحهم، بعدما نادوا بمحاربة الفساد، وهم في الواقع مُفْسِدو البلاد؛ وأصحاب الخلفية الدينية، همُ الأصلُ في وصول الاستبداد إلى الحكم في كذا دولة عربية، لأنّ ظاهرة (الرّبيع العربي) كانت لها مآلاتٌ مأساوية في (المغرب) بوصول (البِيجيدي) إلى السّلطة، وفي (ليبيا) التي ساءتْ أحوالُها، وفي (سوريا)، وفي (العراق)، وفي (اليمن)، وفي (تونس) وفي (مصر)، وقد ساعد رجال الدّين في وصول منظّمات هدّامة استغلّتِ الأوضاع التي ساهمَ فيها هؤلاء البلهاء، كما ظهرتْ جماعةُ (داعش) وسليلتُها (النُّصرة)، وصار الإرهابُ يُسْتغَلّ من طرف الاستعمار الغربي، فكانتِ (الصّهيونية) والمؤسّسات النّقدية هي الرابح من هذه الأوضاع العربية المتردّية، ومع ذلك، تجد أحدَهم يَدَّعي بأنّ حزبَه هو الذي جنّبَ (المغربَ) أخطارَ (الربيع العربي)، وهذا كذِبٌ وبهتان، فالذي حمى وحدةَ المغاربة، هو الـمَلَكية فقط، فليس لأيٍّ كان فضلٌ في هذا الاستقرار الذي نَنْعَم به..

لهذا فرجال الدّين الذين تحكّموا في القضية الفلسطينية خلال العشرينيات والثلاثينيات، من القرن (20)، هم الذين نقَلوها من السّيّئِ إلى الأسوإ، فأُقيمَتْ دولة [إسرائيل] كحلّ لمسألة (اللاّسامية)، والتي ظهرتْ في تصرُّفات رجال الدين، وهم يلتمسون حسنات [هتلر] و[موسّوليني]، فاستُغِلّ ذلك في (الأمم المتحدة) بديلَة (عصبة الأمم)، ومع ذلك، استمرّ العربُ في إخلاصِهم وتشبّثِهم باختياراتهم الخاطئة، فاستغلّها الصّهاينةُ وأقاموا دولة [إسرائيل] سنة (1948)، وبقي العربُ متابعيـنَ لخطِّهم الخاطئ، وما زالُوا على ذلك إلى يومنا هذا، حيث لا يَعرفون كيفية استغلال الفرص المتاحة لتحقيق السّيئِ بدل الإبقاء على الأسوإ وتعميقِه بل وتأبيده في سياستهم؛ فما هو الأسوأ الذي أحدثوه منذ الأربعينيات بعد قتْل [موسوليني] وانتحار [هتلر] وقيام (منظّمة الأمم المتحدة) بعد أخطاء رجال الدّين التّاريخية، واتّهام العرب باللاّسامية؟ لقد قامت دولةُ [إسرائيل] وقوّاها العالمُ الغربي، لكي لا يتعرَّض اليهودُ إلى (هولوكسْت) كما حدث أيام (هِتلر)، وكانت تلكم هي الذّريعة التي اعتمدها مساندُو (الصّهيونية)، فصارت [إسرائيل] قويّةً بجيشها ومُفاعلِها النّووي، واعتُمدَ حقُّ (الڤيتُو) لحمايتها من أيِّ قرارٍ يُتَّخدُ ضدّها في (مجلس الأمن الدولي)، فيما يُنفَّذ في حقّ العرب، وصار كلُّ رؤساء (أمريكا)، و(بريطانيا)، و(فرنسا) خدّامًا للصُّهيونية العالمية، في حين ازدادَ العالمُ العربي ضعفًا، وتَشرْذُمًا، حتى وصل إلى التّجْزيء بسبب العرب أنفُسِهم، وظهور الجماعات الإرهابية في بلدانهم؛ فيا حسرةً على عالمنا العربي والإسلامي!

 

شاهد أيضا

https://achtari24.com/51174.html

Exit mobile version