Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

كيف وصل الجاهلُ إلى البرلمان ببطنٍ مُتخَم وضميرٍ تَعبان؟!

محمد فارس

اِتّصلوا به وهو يمشي وراء القُطْعان، فقالوا له: ما رأيُكَ في ولوج البرلمان؟ فتبسّمَ ضاحكًا من سؤالهم وقال: أنا رجلٌ (قُبّان)، لا أُجيد كتابةً، ولا أُتقِن خطابةً، ولا صِلةَ لي بفنون البيان، فقالوا له: لا يَهُمُّ يا عَمّ، فنحْن لسْنا في بريطانيا أو فرنسا أو اليابان، أنتَ قُل نَعَمْ، وعليْنا التّصرفُ في الألوان حتى يظهَر صندوقكَ هو الـمَليان، فنحن قادرون على ما يعجِز عنه خاتمُ سُليمان، فما عليكَ أنتَ سِوى شراء صوت الجَوْعان، وكسْوة العَريان، وإعطاء وعود سَتُمْسي بعْد فوزكَ في خبرِ كان، واذْبَحْ بعضَ الثّيران السّمان، وابسُط يدكَ كلَّ البسْط، ولا تهتَمّ بانتقادِ أيٍّ كان؛ فنفّذَ الوصيةَ، واستَرْخص كلّ غالٍ ونفيس من همّةٍ وكرامةٍ وذِمّةٍ في سبيل القُبّة ورحابة المكان، ولـمَنْ ثاقَ بهم جنّتان، فيهما عيْنان تجريان، فيهما من كلّ ضخامةٍ زَوْجان، مَنْظرًا ومَظهرًا وحيويةً وإنْ خلا الفمُ من الأسنان، وماذا تفعل بالأسنان وأنتَ لا تحتاجُها، لأنّ المهمّ هو رَفْعُ السّبابة إلى العنان، وهل هناك ما هو أسْهل مِن رفع الأُصبع في البرلمان؟!

لا، بل هناك من يرفَع الخمسة تحت ذاك البنيان، وعيناه مُغْمضتان، والبطنُ مُتْخَم والضّمير تعبان، ومن علامات السّاعة أن يوضعَ الجاهلُ في أنبل مكان؛ يا سلام يا عمّ، ومن الجلوس على (الدُّكانة) إلى مقعد في القبّة والتّمتّع بالحصانة! الله، الله، من الحمارة إلى الطّيارة! وسبحان مبدِّل الأحوال، من تِبْن (البرْدَعَة) إلى كوسان السّيارة ومتعة الطّرق السّيارة! لكن ما هكذا تستقيم الأمور، ما هكذا تنهض أمّةٌ بيْن ساكنة المعمور؛ ما هكذا تطمئنّ الشّعوب على مستقبلها وينتابها جميلُ الشّعور، ويغمرها الأملُ ويعُمّها السّرور، ما هكذا سَننفُض عَنّا غبارَ الجمود، ونتجاوز واقعَنا المكرور، وحالنا المجرور، ونترك عنّا سماعَ أكاذيب الطّبال المأجور، والجُهّال إذا اجتمعوا، أفسَدوا، وإذا ائْتُمِنوا أبادوا، وإذا نصحتَهم استاؤُوا وأزبدوا، والناسُ عادةً أعداءُ ما جَهِلوا.. فكم  منهم من يجْهَل حتى ألِفْ باء الدّستور، وألف باء الهِجاء، ويعوِزُه التّعبيرُ ويخاصمه الإملاء، وذاك معشرَ القراء، هو مصدرُ البلاء.. اُنظُرْ من حوْلك، تراه أتى من الخلاء، وأصبح من النّبلاء، قال إِيه: جاء لتَحمُّل المسؤولية أمام الله وأمام (الخُوتْ)، فخَرق قوانيـنَ المرور، وجهِل أبسط الأمور، وظلّ خلال الجلسات تائهًا (يَدور)، اللهمّ ما كان من المصلحة الشّخصية، والعجرفة والغرور..

نحن بحاجة إلى نائب مُقْتَدر، وليس قطعة تُكمِّل الدّيكور؛ قطعة تَتَرزّز، وتَتَطرْبَش، وتتجلْبَب وكأنّنا بإيزاءِ لوحة من الفولكلور؛ ياه! وَيْحي! الجاهِل، الفاشلُ مجالُه البرلمان، والـمُثقّف العارف مكانُه المقهى، في انتظار مباراةٍ أوِ امتحان، حتى إذا أضناه الانتظار، ارتمى في أحضان (الشّقُوفا والشّمان)؛ وكَمْ وكم وكم همُ الذين أعْوزَهُم الزّمان، فحاولوا العبور إلى (إسبانيا) أوِ (الطّليان)، فكان مصيرُهم الغرقَ بيْن طنجة و(وادي أليان)، فصار وليمةً لكلّ أنواع الحيتان.. متى يا نَصْرُ تطلع في ربانا، طلوعَ الفجر من بعْدِ اختناق؛ وتُبدِّد كلّ أحزان اللّيالي، وتَجعل عيشَنا بعد مآسٍ حُلْوَ المذاق؛ لقد زادتْ مصائبُنا مع حكومةٍ وبرلمان حتى كادتْ أرواحُنا تَصعد لِلتّراقي؛ فهلاّ طلعتَ علينا يا فجرُ، فالأكبادُ ظمأى، تكاد تَذوبُ من سياسة مكائدُها على قَدمٍ وساقِ؛ صار المواطنون يائسين بعدما أحرقَت جلودَهم محروقاتٌ وغلاء فلا يلْقونَ فكاكًا من وِثاقِ؛ وتساءل المواطنُ: هل تَنهض أمّتي بعد انزلاق؟ قُلْ لا تَحزَنْ، فالتّغييرُ قادمٌ والحقُّ دومًا منتصرٌ وبَاق؛ فتجتمع القلوبُ إنْ شاء الله على إخاءٍ وتخْبو سياسة الـمَكْر والكَذب والخِداع، وينتصر الوِفاقُ على الشِّقاق؛ بعدما يَئِسْنا ردَحًا من الزّمن، وظننّا أنّه لا رجوعَ أو تَلاقي؛ ومُحال أن تسودَ سياسة الكذب ولو طار أصحابُها إلى السّبع الطِّباق..

 

Exit mobile version