Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

كيف يتحدّث التاريخُ عن أخطاء العرب تجاه قضية (فلسطين)؟

محمد فارس

موضوعُنا في هذه المقالة، يتعلّق بأحد الموضوعات التاريخية، ومن أبرزها قضية [فلسطين]، ونحن نعرف أنّ بعض الأنظمة الاستبدادية تعتقل كلّ كاتبٍ تطَرق لحقائق تاريخية، لأنّ التاريخ ليس في مصلحة الظَّلَمة، والدّيكتاتوريين، والـمُحتلّين، لذا ترى [إسرائيل] اليوم، تطالب الدّول العربية، والإسلامية، بإعادة النّظر في تدريس التاريخ في مناهجها التّربوية لوضْع تاريخٍ جديد مكان التّاريخ الحقيقي الذي يدينها ويعتبِر قيامَها [جريمة القرن] على حدّ تعبير شيخ المؤرّخين [تيوينْبِي]؛ لكنْ ما هو التاريخ في حقيقته؟ التاريخُ في اللّغة، هو تعريف الوقت، والتاريخُ هو أيضا عِلم يَبحث في الوقائع والحوادث الماضية، فهو تحليلٌ لهذه الوقائع بعد تَأْريخها وتحديد زمن حدوثها.. ويفرّق الفيلسوفُ الألماني [كارل ياسبِيرز] ومن قبْله [هايدغير]، بيـنَ [التاريخ] و[التأْريخ]، بيْن الشّعور التاريخي، وبين الشّعور التَأْريخي؛ فما هو إذن [التاريخ]؟ وما هو [التّأْريخ]؟
[التأْريخ] هو العِلمُ بحوادث الماضي خلال التّسلسل الزمني للعالم، وأمّا [التّاريخ]، فهو شعورُ الذّات بما حقّقتْه في مظاهر نشاطِها المختلفة.. والشّعُور التاريخي هو النّور الذي يوضِّح تاريخية الآنية، يعني [أَنا]، ويتبَدّى في كلّ حالةٍ أُريدُ فيها أن أُدرِكَ العُلُو، أيْ أنْ أُدركَ أنّني من خلال المواقف التي أوجدُ فيها، فأحاول الخروجَ عنها والعُلُوَ عليها ابتغاءَ تحقيقِ إمكانياتٍ جديدة.. ويَرى بعضُ فلاسفة التاريخ، أنّ من يَجهل التاريخ، مُعرّض دائمًا لارتكاب أخطاءِ الماضي، وهذا صحيح، فلوِ استفادَ [هتلر] من خطإ [نابليون] عند اجتياحه [روسيا] سنة (1812)، لـمَا وقَع في الخطإ نفْسِه عند اجتياحه [روسيا] سنة (1941) وفي مثل اليوم نَفْسِه، أيْ في (22) يونيو.. وأكثَر أخطاء العرب في قضية [فلسطين]، وسوف نحدّدها في محطّات تاريخية بارزة من سنة (1921) إلى سنة (1967)، وسوف نعتمد التّأْريخ الزّمني، والتّاريخ التّحليلي على حدّ تعبير [كارل ياسْبيرز]، وسوف نَعْرض لإخطاء صادمة اتّخَذها [العربُ]، ولعلّ هذا ما عناه أحدُ فلاسفة التاريخ عندما قال إنّ التاريخ هو سجِلُّ أخطاء البشرية؛ فإلى أيِّ حدّ يَصْدُقُ هذا التّعبير على قضية [فلسطين]؟ هذه القضيةُ كانت وما تزال قضية يُلمّع بها بعض المناضلين صورَتَهم، ولا أثَر لمناضلِهم في المحافل الدّولية، وقد قال الدكتورُ [المهدي المنجرة] لأحدهم: [أنتَ بعيدٌ عن النّضال ما بعُدَتِ السّماءُ عن الأرض]، وهذه حقيقةٌ لا جِدال فيها..
في (مارس) من سنة (1921) زار [وِينْستون تشرشل] [فلسطين]، وطلبَ مقابلة وفد من القادة المسلمين، وكان أغلبُهم من رجال الدين، ولـمّا قابلوه عرضوا له خشْيتهم من الهدف الذي تعْمل له الصّهيونيةُ السياسية، وهو الاستيلاءُ على [فلسطين]، وقد نُقلَ عنه قولُه: [أنتم تَطْلبون منّي أن أتخلَّى عن (وعدِ بلفور) وأن أوقِفَ الهجرةَ اليهودية، وهذا ليس في طاقتي، كما أنّني لا أرغبُ فيه، ونحن نَنوي أن نحقّقَ هذا الوعد]. وقد غاب عن ذهن أعضاء الوفد أنّ [تشرشل] هو كاتبُ (وَعْد بلفور) الحقيقي، وأنّ (بلفور) وَقّعَه فقط، بضغطٍ من الحكومة، كما غاب عن ذهنم أنّ [تشرشل] رجلٌ صهيوني، ومن كلماته تَظهر للعيان حقيقةُ هذا الرّجل؛ بعد ذلك، صرّحَ [حاييم وايْزمان] في السنة نفسِها، أي (1921) قائلاً: [سوف نستقرّ هنا في (فلسطين) شئْتُم أم أبيتُم؛ إنّ كلّ ما تستطيعون عمله، هو تعجيل أو إبطاءُ هِجْرتنا، ولكنّه مهما يكن، فإنّه من الأفضل لكم أن تساعدونا، لتتجنَّبوا تحويلَ قُدُراتنا البنّاءة إلى قُدراتٍ مدمِّرة تدمِّر العالم].. ومعلوم أنّ [وايزمان] أصبح أول رئيس للكيان الصهيوني، وأنّه كان عالـمًا كيميائيًا، إذ هو مَنِ اخترعَ لدولة [بريطانيا] غازَ (السّيمْطال) في الحرب العالمية الأولى، ونوّه به رئيس الوزراء البريطاني [أسْكويت] حيث قال: [أنا كذلك لم أسْتطِعْ مقاومةَ الإغراء لأكونَ صهيونيا]؛ فماذا كان عند (العرب) من العِلم ممّا تحتاجه كلُّ الدّول؟ لا شيء، غيْر مالٍ أُنفِقَ في ما لا ينفَع البلاد والعباد..
يقول مؤلّفُ [موسوعة الماسونية]، في الصفحة: (532): [لو أنّ أحدًا من أغنياء العرب والمسلمين، بذلَ في سبيل (فلسطين) ما بذله (روتشيلد) وأهْله، إذًا لكُنّا غيْر ما نحنُ عليه الآن، إنّ الحقّ لا يدافع عن نفسه وحْده، بل لابُدَّ له من فكرٍ يرعاه، وزند يَحْميه، ودمٍ يَفْديه، وبغيْر ذلك، يكون الباطلُ أبرَز منه، وأبقى].. ويقول (شكيب أرسلان) إنّه بعد حادث (البُراق) الدّامي سنة (1928) و(البُراق) عند المسلمين، هو حائطُ (المبْكى) عند اليهود، سقط قتلى وجرحى من الجانبيْن، مسلمين ويهود، فقام الصّهاينةُ بطلب المساعدة من يهود العالم، فجمعوا ملايين الدّولارات، وقام الفلسطينيون بالطّلب نَفْسِه من الأغنياء العرب، فلم يَحصُلوا إلاّ على كُمشة من الدّولارات.. والآن، لو كانت (الجزائر) قد ساعدتِ الفلسطينيين بالقدر الذي تساعدُ به (البوليساريو)، ولو ضمَّتْ جهودَها إلى جهود (المغرب) لكان ذلك أنفَع وأنجَع لقضية (فلسطين) بدل مساعدة انفصاليين يريدون خلقَ كيان مصطنَع في الصّحراء المغربية؛ وها أنتَ ترى كيف تتكرّر الأخطاء العربية.. في سنة (1925) اقترحتْ (عصبة الأمم) تقسيمَ (فلسطين) بين عرب وصهاينة مناصفةً، فرفض العربُ هذا الاقتراح، وقد كان سيساهم في إقامة دولة فلسطينية على الخريطة، بدل علبة سَردين اسمُها (الضّفة) وحبَّة (أسْبرين) اسمُها (غزّة) على حدِّ تعبير (نزار قَبّاني) وبدعمٍ عربي، كانت ستصبح دولةً قويةً، ومعترفًا بها إلى جانب (إسرائيل)، ولكن الأسوأ حدث، وذلك ما سنراه غدًا إن شاء الله..

Exit mobile version