لعل قضايا الأمن والاستخبارات هي القضية الوحيدة، التي لا توجد فيها مجاملات بين الدول، باعتبارها أمرا حاسما، ولا يمكن التهاون فيه، ولهذا كي تكون شريكا في الأمن العالمي لابد أن تحقق مستويات معينة من الإنجاز والخبرة في المجال. على ضوء هذا المعيار نقرأ زيارة أفريل هاينز مديرة أجهزة الاستخبارات الوطنية بالولايات المتحدة الأمريكية، ولقاء العمل الذي جمعها بعبد اللطيف حموشي، المدير العام للأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني.
اللقاء استكمال للقاء بدأ في واشنطن يونيو الماضي، الذي جمع المسؤول الأمني المغربي بمديرة تجمع أجهزة الاستخبارات الوطنية الأمريكية، وانصبت المباحثات حول تقييم الوضع الأمني على المستوى الإقليمي والجهوي، ودراسة التهديدات والتحديات الناشئة عن هذا الوضع في بعض مناطق العالم، فضلا عن استعراض المخاطر التي تطرحها الارتباطات القائمة بين التنظيمات الإرهابية وشبكات الجريمة المنظمة بما فيها الجريمة المعلوماتية وغيرها من صور الإجرام العابر للحدود الوطنية.
التقييم لا يتم إلا بين جهازين يشتركان في العمل، وبالتالي يكون من الضروري عليهما إنجاز عملية تقييم لمعرفة التحديات وآليات المواجهة، وبما أن التحديات كبيرة لن يكون شريكا في المواجهة العالمية إلا من كان كبيرا في الميدان.
المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، التي يوجد على رأسها عبد اللطيف حموشي، أبانت عن علو كعبها في مجالات متعددة، وخصوصا مكافحة الإرهاب، الظاهرة التي أقضت مضاجع العالم، وأصبحت قريبة من “حبل الوريد” لكل دولة، ولم تعد هناك منطقة من العالم بمنأى عنه، وبالتالي فإن الجهاز الذي تمكن من التغلب على مخاطر الظاهرة يعتبر “كبيرا” بالمعنى الحرفي لها، ولهذا لا يمكن لأجهزة كبرى أن تضع يدها إلا في يد جهاز من المستوى الدولي الذي يعتمد معايير دقيقة في الاشتغال.
انصهار الديستي الكلي في قضايا الأمن، سواء تعلق الأمر بمكافحة الإرهاب أو بشبكات الجريمة العابرة للحدود والاتجار في البشر، جعل منها جهازا يحظى بثقة الأجهزة الأمنية والاستخباراتية العالمية، خصوصا وأن المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني قدمت معلومات دقيقة للعديد من نظرائها في بلدان أخرى مكّنتهم من تجنب حمامات دم، كما أوقعت بالعشرات من عناصر الشبكات الدولية المتعددة التخصصات الإجرامية.
ما جعل المديرية المذكورة تحظى بالثقة الدولية كي تكون شريكة في الأمن العالمي، وفي مستويات تشكل تحديات كبيرة، هو اكتسابها تجربة وخبرة قوية جعلت منها مدرسة منفردة مبنية على عقيدة أمنية واضحة، عنوانها “أمن الوطن أولا”، ومرتكزة على آليات متطورة شعارها “الأمن علم وقوة”، لهذا لا تكل المديرية المذكورة من تأهيل العنصر البشري، حتى يرقى إلى المستويات العالمية في العمل.
وقد أكدت تصرفات الأجهزة العالمية في الميدان أن المغرب يتوفر على جهاز استخباراتي قادر على المساهمة ومنفرد بسلوكه وتكوينه وقدراته وخبرته مما جعله محط أنظار كبار رجال الاستخبارات في العالم.
كي تكون شريكا في الأمن العالمي
