التقرير، الذي أصدره المركز المغربي لتحليل السياسات بخصوص مؤشر الثقة، أظهر أن المغاربة يثقون أكثر في مؤسستي الجيش والأمن، وبمستويات متوسطة في مؤسسات أخرى، وبمستوى ضعيف في المؤسسات المنتخبة والسياسية. فلماذا هذا التفاوت في مؤشر الثقة؟ لماذا يثق المغاربة في هذه المؤسسة ولا يثقون في الأخرى؟ ما هي خلفيات هذا الصعود والنزول في مؤشر الثقة؟
الثقة في المؤسسات ليست معطى طبيعيًا، ولكنها خلاصة مجهود تقوم به المؤسسة نفسها. فأحيانا قد تصل إحدى المؤسسات إلى مستوى ثقة المواطن لكن يستمر في الخوف منها لعدم قدرتها على التواصل مع المواطن، في وقت تمكنت بعض المؤسسات من أن تعمل على أن تصل كلمتها إلى المواطن، والتواصل هنا لا يعني الإخبار بتاتا، وهما أصلا مختلفان، فتواصل المؤسسات التي نالت ثقة المواطن تم عن طريق الاشتغال الدائب مع المواطن حتى تغيرت رؤيته إليها.
في الرتبة الأولى لمؤشر الثقة جاءت مؤسسة الجيش، تليها مؤسسة الأمن. لماذا المؤشر هنا مرتفع بينما ينخفض بشكل كبير عندما ننعطف تجاه المؤسسة المنتخبة أي السياسية؟
الجيش مؤسسة قائدها الأعلى هو جلالة الملك. عرفت منعطفات كثيرة لكنها حاسمة. تورطت في وقت من الأوقات في اللعبة السياسية من خلال الانقلابات، لكن هذه كانت فلتة من فلتات هذه المؤسسة، التي أظهرت قدرة كبيرة على التضحيات الجسام وقدمت الغالي والنفيس عندما دعا الداعي إلى حماية الوطن من فلول المرتزقة والآثمين والمتآمرين على وحدة الوطن.
مؤسسة في رصيدها تاريخ من التضحية يستحيل كتابته وفي سجلها معارك ضارية حكاياتها فقط يشيب لها الولدان، ويمكن هنا ذكر معركة الزاك المعروفة بـ”ستالين غراد” المغرب، التي رسم فيها الجنود أبهى اللوحات في الدفاع عن حوزة الوطن. مؤسسة لم تزاحم أحدا على شيء سوى الدفاع عن الوطن فنالت ثقة المواطن. وبالإضافة إلى ذلك، فإن مؤسسة الجيش في المغرب تنتقل كلما احتاج الوطن إلى العمل الاجتماعي، ففي مواسم البرد تقدم الخدمات الطبية والإغاثية للمناطق النائية والمتضررة، وفي ظل جائحة كورونا، أقامت مستشفيات متنقلة خاصة بمواكبة الحرب على كورونا.
ثاني مؤسسة حظيت بثقة المغاربة هي المؤسسة الأمنية. يمكن اعتبار ما حدث شبيهًا بالمعجزة. غير أنه ثمرة جهد طويل. لقد ظلت هذه المؤسسة مقترنة بالقمع والعنف وغيرهما. وارتبطت بما يسمى سنوات الرصاص. لكن بعد أن أصبح عبد اللطيف حموشي على رأسها حوّلها إلى مؤسسة مواطنة. مؤسسة قريبة من المواطن وفي خدمته. وأطلق ورش تخليق المرفق الأمني، تحت شعار “اللي فرط يكرط”، وهو ما أوقف كل السلوكات التي لا تليق برجل الأمن، حيث انتهت السلوكات المشينة التي كانت توصف بها هذه الإدارة، ولم يبق فيها سوى الحالات الخاصة، والتي يتم التعامل معها بصرامة أثلجت صدر المواطن، الذي أصبح يتوجه إلى المرفق الشرطي ليحتمي به بعدما كان جهاز خوف، وكل ذلك نتيجة مجهود جبار.
لكن تنعدم ثقة المواطن في المؤسسة المنتخبة، لأنها تتكون من السياسيين، الذين لم يعملوا على تحسين صورة التنظيم السياسي لدى المواطن، حيث ارتبط السياسي بالوعود الانتخابية غير المنفذة، بما يتطلب مجهودا كبيرا في الأمد القريب لمصالحة المواطن مع من يمثله.
لماذا لا يتساوى مؤشر الثقة في المؤسسات؟
