كان لافتا للانتباه ما صرح به السفير الروسي بالرباط لوكالة أنباء دولية، حيث قال إنه يمكن أن نتعامل مع المغرب بخصوص الاستيراد بنظام مقايضة السلع أو الدفع بعمولات أخرى بالنظر لحظر الأبناك الروسية من نظام سويفت المالي. فلماذا يمكن أن تتصرف روسيا مع المغرب من بين دول قليلة بهذه الطريقة؟ ماذا يحمل هذا التصريح من دلالات؟
السفير الروسي ممثل لبلده ومعروف عن هذا البلد أن ديبلوماسييه لا يعبثون ومعروف عن الروسي الجدية أكثر من شعوب أخرى، وبالتالي لم يكن فقط جوابا عن سؤال ولكنه موقف، يحمل رسالة واضحة وهي أن روسيا ترى بعين الإيجاب لقرار المغرب عدم المشاركة في التصويت بالجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار يدين روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا، حيث اختار المغرب التعبير بطريقة خاصة، تجاوزت عدم التصويت.
الطريقة المغربية شكلت موقفا محرجا لكثير من الدول التي لم تكن تعرف المغرب جيدا، أي إنه البلد الذي اختار الدفاع عن مصالحه، واختار أن يكون وفيا لأصدقائه لكن من باب الاستقلالية التامة في المواقف والقرارات والاختيارات، واختار أيضا تنويع دائرة العلاقات الجيوسياسية والاقتصادية، وانفتح بشكل كبير على دول الشرق مثل الصين وروسيا ناهيك عن الهند.
روسيا بدورها تعتبر أن موقف عدم المشاركة هو ربح لها، ولهذا جاء تصريح سفيرها في هذا الاتجاه.
هذه النتيجة تدخل في باب الثمار التي نقطفها من الديبلوماسية الملكية المبنية على الوضوح والهدوء والتماسك ومراعاة مصالح المغرب الأولى والأساسية، وهي ديبلوماسية تسلك طريقها وسط “بحيرة تماسيح كبيرة”، لهذا تميزت بالحذر واليقظة، وهي ديبلوماسية مبنية في الدائرة الضيقة لجلالة الملك حيث لا مجال هنا للهواة من الديبلوماسيين ولكن للمحترفين ورجالات الدولة الكبار بقيادة جلالة الملك، الذي بفضل حنكته استطاع اختراق العديد من المنظومات التي ظلت مقفلة في وجه المغرب.
الديبلوماسية مبنية على المناورات، كما هي مبنية على تحقيق المصالح والمنافع، والخروج من الحصر، الذي طبع العلاقات التجارية للمغرب سنين طويلة، مكّنه من تحصيل مواقف جديدة من دول كانت رؤيتها ملتبسة لكن بفضل هذه السياسة اتضحت لها القضايا وفي الحد الأدنى تم ضمان حياد كثير من البلدان بدل دعم أطروحة الخصوم، ليست العلاقات التجارية نوعا من المقايضة في المواقف ولكنها الطريق الأسلم للتعرف على قضايا كثير من الدول.
روسيا ومنذ زمن طويل تقف موقفا مريحا بالنسبة للمغرب خصوصا وأنها ظلت منذ سنة 1993 توقع على اتفاقية صيد الأسماك العائمة تتضمن كامل التراب المغربي بما فيها الأقاليم الجنوبية، وعندما تمتنع عن التصويت لفائدة القرارات الأممية تكون فقط في مواجهة أي قرار تتقدم به الولايات المتحدة الأمريكية، وازدادت هذه العلاقات متانة بعد الزيارة التاريخية التي قام بها جلالة الملك إلى موسكو والتي تم تتويجها بتوقيع اتفاقيات استراتيجية نجني ثمارها اليوم تجارة ومواقفَ.
لماذا مقايضة السلع بين روسيا والمغرب؟
