محمد فارس
في الواقع، ليست هناك مشكلة تُسمى [الصحراء]، وحتى وإن استُعملتْ، فإنّها تُستعمل تجاوزًا ليس إلاّ، بل هناك [مغرب] استرجعَ حقوقه، واستكمل وحْدته، وفرّجَ الله كُربتَه، ونال مطْلبَه، لكنّ المشلكةَ في من ما زالوا يعزفون على [ڤيثارة] وهم يَمْشون ورؤوسُهم إلى الخلف ملتوية، يأخذهم الحنيـنُ إلى مخطّط [بيكو] لإنشاء كياناتٍ قزمية، ودُويْلات وهْمية بأطروحات واهية، ولكن هيْهات! فالمسيرةُ ما زالت سارية، ولم تتوقّف منذ اجتازت الحدود الوهمية، واستُكملت الوحدةُ الترابية، ورفْرفَ العلمُ الوطني في سماءٍ عالية.. قال جلالة الملك [الحسن الثاني] طيّب الله ثراه للخصوم منذ السّنوات الخالية: [المسيرةُ انطلقتْ بالفعل وقد بلغَت غايتَها وحقّقتْ أهدافَها ولم تتجرّدْ من صِبْغتها السّلْمية]، فالصّحراءُ المغربية اليوم، ليست كالصّحراء أيام الفترة الاستعمارية، العالمُ والواقعُ يشهدان بذلك..
قال مؤرّخٌ فرنسي معروف: [المغرب العربي irait mieux]، لو لم تكُن هناك (Une junte militaire) تتحكّم في مقدّرات الشعب الجزائري]؛ هؤلاء العسكر خدّامُ [فرنسا] الاستعمارية يكتبون صفحةً سوداءَ من تاريخهم الدموي، وهم يردّدون تُرّهات عفا الزّمنُ عليها، وكأنّي بهم يطالبون إنسانًا بأن يقتطع عضوًا من جسده، وهو ما يُنافي صِبغة الله [ومَن أحْسن من الله صِبْغة ونحن له عابدون] صدق الله العظيم. فالصّحراء هي ساقَا [المغرب] بشهادة التاريخ، والجغرافيا، والبشر، والرّمل، والصخر، والشّجر.. وهنا تذكّرتُ قصّةً مغربيةً تقول إنّ رجلاً أراد أن يكتريَ منزلاً، فعُرضَ عليه منزلان، الأولُ فخمٌ وضخمٌ وثمنُ كرائِه بخْس؛ والثاني بسيط ومتواضع لكنّ ثمنَ كرائه باهظ، ولـمّا استفسر الرّجلُ عن الأمر، قيل له إنّ المنزلَ الفخم رخيصٌ لأنّ جيرانَه من أشرّ خلقِ الله؛ والمنزلُ المتواضع ثمنُه مرتفع لأنّ جيرانَه من أطيب خلقِ الله؛ ونحن للأسف الشّديد ابتُلينا بنظام عسكري كجارٍ شرّير، كما ابتُلِيَ الشعب الجزائري النّبيل بعسكر بَذَّروا أموال الجزائر بإنفاقهم على المرتزقة، وبدَفْعهم رشاوي مُقابِل شهادة الزّور، ثم نهبوا الأمّةَ ورَحَّلوا ثرواتها إلى حساباتهم في الخارج..
لقد ضحِكوا على الشعب الجزائري، وتظاهروا بمحاربة الفساد، فدخَل الفاسدون السجن من الباب الأمامي، وخَرجوا من الباب الخلفي، لأن الفسادَ يَحميه العسكرُ في [الجزائر]، وكم حاولوا أن يَشْغلوا الشعبَ بمشكلٍ مُفتعلٍ اسمُه [الصحراء]، وأنْ يُحذّروه من عدوٍّ اسمُه [المغرب]، ولكنّ ألاعيبَ العسكر لم تَنْطَلِ على الشعب الجزائري، فخرجَ إلى الشوارع، وقد عرف عدوَّه، يطالب برحيل نظام العسكر الذي اقترفَ مجازرَ في حقِّ الشعب، ومارس ما كان يسمّى أيام النّازية البغيضة [ليالي الخناجِر الطّويلة]؛ فيوم أحسّوا بأنّ [الهواري بومدْين] سيَنفَض يديْه من مُشكل مصْطنع اسمُه [الصحراء المغربية]، سمَّموه؛ ويوم أعْلَن [محمّد بوضياف] أنّه ليس هناك مشكل اسمُه [الصحراء]، اغتالوه؛ وهذه هي سياسةُ العسكر في كلّ بلدٍ يسود فيه الظلمُ، والفسادُ، والاستبدادُ.. ثم كيْف تفسّر أوضاعَ بلدٍ كلّه خيرات من غازٍ، ونفطٍ، وفلاحةٍ وقسْ على ذلك، والشعبُ المقهور يعاني الفقر، والجوعَ، وشظَف العيش، ومردّ كل ذلك، هو سيطرةُ العسكر، وجنيرالات [فرنسا] على ثروات البلاد مع الكَبْس على أنفاس الشعب، ثم بلا استحياء، يتحدّثون في قنوات [الطّبالة] في [الجزائر] عن الـمُجاهدين، وثورة المليون شهيد.. فلو نهض المجاهدون من قبورهم، وشاهدُوا [جزائر] اليوم، لقالوا: أَهذه هي [الجزائر] التي دفَعْنا حياتَنا ثمنًا لها!]، ثم لَفضّلوا العودةَ إلى قبورهم بدل العيش في [جزائر] العسكر..
لكنْ كيف ستتخلَّص [الجزائر] من حُكم العسكر؟ سألتُ التاريخ في هذا االشّأن فأجاب: يجب أن يستمرّ الحَراكُ الشّعبي دون هوادة، وسيتزايد ضغطُ العسكر، وسيمارس القمع، وسيلجأ إلى الرّصاص ضدّ المتظاهرين؛ وعلى إثر الضّغط، سيتولّد الانفجار، وسيتساءل الجنديُ: لماذا أَقتل إخْوتي ليسيطر أعداءُ الشّعب على الأمّة؟ وفجأةً، سَيُلقي بالسّلاح، وينضَمّ إلى شعبه، وهذا ما حصَل في عدّة بلدان، وسينهارُ النظامُ العسكري كقصرٍ من الرِّمال، وتبدأ المحاكمات، وتُنصبُ المشانق في كلّ المدن الجزائرية، وتَعود الأموالُ المهرّبة، وتَبوء بالفشل كلُّ المنظّمات الإرهابية التي كان يُنفِق عليها العسكرُ من أموال الشّعب، وسترى الجنيرالات يَصْعدون إلى منصّة المشْنقة الواحد تلْوَ الآخر، وترى [المستبِدّ] مُعلّقًا [au bout d’une corde] وإلى جانبه زعماءُ مرتزقة [البوليساريو] الخونة، وهذا أمرٌ ليس ببعيد أو مستحيل، فكم نَصح [ماكياڤيللي] المستبدّين بالمكر، وبالكذبِ على الشّعوب، ولكنّه في آخر حياته قال: [اِحْذَرُوا مَكْر التّاريخ، فلا مستحيلَ في التّاريخ]، وقد تأكّدَتْ قولتُه عندما شنق الشّعبُ الفاشي [مُوسُّوليني] فكان الناسُ يَمرّون بجثّته، فيبْصقون عليه وقد أوصل البلادَ إلى الدّمار، والخراب..
ليست هناك مشكلة اسمُها “الصّحراء” بشهادة التّاريخ والجغرافيا
