دعا عزيز أخنوش، رئيس الحكومة، إلى مأسسة الحوار الاجتماعي. جاء ذلك ردا على أسئلة عامة طرحها المستشارون البرلمانيون. وقبل الدخول إلى موضوع المأسسة والبحث عن شجرة أنسابه السياسية، لابد أن نشير إلى أن أخنوش طرف مزدوج في الحوار الاجتماعي، إن لم نقل ثلاثي، يعني حاضرا في كل واحد من مكونات هذا الحوار. فهو رئيس الحكومة، وهي الطرف الرئيسي في المائدة، وهو رئيس “تجمع المصالح الكبرى” وبالتالي هو حاضر في طرف الباطرونا، كما أنه وقّع اتفاقا قبيل الانتخابات مع الاتحاد المغربي للشغل. هو الحكومة والباطرونا والنقابة.
ما معنى الدعوى أو الادعاء بمأسسة الحوار الاجتماعي في وقت ينبغي أن يكون هذا الحوار انسيابيا، وطوال الزمن السياسي باعتباره الآلية الوحيدة لتدبير الاحتياجات الاجتماعية؟ ماذا يعني الحديث عن المأسسة في حين يلزم أن يكون ممأسسا منذ زمان؟ وما معنى المأسسة أصلا؟
مأسسة الحوار الاجتماعي موضوع دعائي فقط لأن المفروض أن الراعي للحوار هو الحكومة، وبالتالي فإن رئاسة الحكومة تديره بشكل طبيعي، والحديث اليوم عن المأسسة مجرد تركيب خاص من أجل التعمية على الواقع، والتغطية على الفشل، أي العودة إلى تلك الفترة البئيسة، التي كان فيها وزير الدولة في الداخلية والإعلام إدريس البصري يكون لجنة لكل موضوع أراد أن يقوم بتتفيهه، ولهذا أسس عشرات اللجان، التي تتفرع عنها لجينات وعن اللجينات تتفرع خلايا وبشكل “أطومي” تتوالد الخلايا، وفي النهاية لا تقوم قائمة للمشروع.
أخنوش أراد نفس الشيء من المأسسة، لكن الذي لا يفهمه أخنوش هو أن الزمن غير الزمن والشرط التاريخي ليس هو نفسه، والبصري كان يمثل شكلا من الحكم، بينما دستور 2011 جعل الحكومة مختلفة عن السابق، فالبصري كان وزيرا قويا من خلال النمط السائد، ولم يكن منتخبا، بينما الحكومة اليوم تمثل الأغلبية الفائزة بالانتخابات التشريعية، والمفروض أن تكون مجسدة للبرنامج الانتخابي أو البرامج الانتخابية للأحزاب المكونة للأغلبية.
جزء كبير من الحوار الاجتماعي تضمنه البرنامج الانتخابي، الذي تقدم به أخنوش، رئيس التجمع الوطني للأحرار، خلال الانتخابات السابقة وقام بحملة شهيرة وقدم وعودا كبيرة وقلنا له حينها إنها وعود فلكية، لكن مهما يكن فإن المغاربة يقولون “الكلمة هي الراجل”، بمعنى كي تكون صادقا لابد أن تلتزم بما وعدت به. فأخنوش وعد بتسوية كثير من الأوضاع الاجتماعية ووعد كثيرا من الفئات المهنية بزيادات في الأجور وغيرها، كما وعد الفئات الهشة لكنه لم يف بشيء.
فما معنى العودة اليوم إلى حديث مأسسة الحوار الاجتماعي؟ ماذا ستقدم للنقابات؟ فبعد أن وعد رجال التعليم برفع رواتبهم فرض شروطا قاسية من أجل الولوج إلى مهنة المدرس؟ وها هو اليوم يستنفر كل مكونات المجتمع، فعوض الحديث عن المأسسة ينبغي التراجع عن كثير من الضرائب التي استفاد منها فقط “تجمع المصالح الكبرى” بينما باقي الفئات لم تستفد منها.
مأسسة الحوار الاجتماعي قياسا على لجان البصري
