لم تكتف الحكومة بإرسال الناطق باسمها، ليخاطب الصحفيين بعد انتهاء المجلس الحكومي، ولكن أرسلت معه الوزير المنتدب لدى وزيرة الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية فوزي لقجع ليشرح خلفيات الزيادات الصاروخية في ثمن المحروقات. لا يهم ما أتى به من استدلالات غير منطقية التي سيردها أي شخص استمع إليه، غير أن ملخصها: ليس نحن من فرض الزيادات ولكن السوق الدولية. فاكتشفنا أن حكومتنا الموقرة مهددة عن طريق مؤامرة خارجية يقود “التنظيم الدولي للمازوت”، قبل أن ننتبه إلى أن رئيس الحكومة يهيمن على أربعين في المائة من سوق المحروقات.
نعرف جيدا أن فوزي لقجع لم يكن قبيل سنوات يفكر في أن يكون وزيرا ولهذا فإن الرجل لا يفهم ما معنى الحكومة؟
ليست الحكومة إدارة أو شركة للتدبير اليومي ولكنها مؤسسة للتدبير السياسي للشأن اليومي عن طريق البحث عن الخطط والاستراتيجيات. الحكومة تنبثق دستوريا عن البرلمان. البرلمان ينبثق دستوريا من الشعب صاحب السيادة، التي يمارسها عن طريق ممثليه، كما ينص على ذلك الدستور. إذن الحكومة هي تفويض شعبي لمجموعة من الأشخاص كي يدبروا الشأن العام، وهذا التفويض يتم عن طريق التنصيب الذي يصادق عليه البرلمان باعتباره ممثلا للشعب.
هذا التفويض له معنى واحد، أن الحكومة المفوضة بالتدبير تقوم مقام الشعب في تدبير الشأن العام وإدارة الأزمات، وإذا لم تكن قادرة على ذلك فما الفائدة من وجودها أصلا؟ وهل تريد أن ترجعنا إلى عصور خوالٍ كان الناس يتصرفون وفق الطبيعة؟ لكن الدولة هي تجاوز لحالة الطبيعة بتعبير هوبز. وأي مظهر من مظاهر العودة إلى حالة الطبيعة هو دعوة إلى التمرد على الدولة وعلى القوانين. إجراءات الحكومة اليوم تسير في هذا السياق وبالتالي هي تؤجج الاحتقان، الناتج عن الأزمة.
فما معنى أن تعيد الحكومة الزيادات إلى مرجعية السوق الدولية؟ أي إنه ليس لدى المواطن ما يقوم به سوى قبولها والسكوت، لأننا نحن لا علاقة لنا بهذه السوق. ولكن الحكومة أوردت في بيان التنصيب، المسمى تصريحا حكوميا وفي البرنامج الحكومي أنها تتبنى مفهوم “الدولة الاجتماعية”. هذا النمط لا يسير مع إخضاع المواطن لمنطق السوق في مواد استراتيجية ولكن ينبغي أن تتدخل الحكومة بما أنها جهاز تنفيذي لتتحمل تبعات الزيادة الناتجة عن الأزمة. كيف نؤدي للحكومة مرتين؟ المرة الأولى في الضرائب والمرة الثانية بتحمل الزيادات بينما لا تظهر آثار هذه الزيادات في الضرائب التي يؤديها المتاجرون والتي ينبغي أن تنعكس على الشعب.
المعادلة السليمة هي أن الأسعار تكون قريبة من الأجور. الحكومة رمت كرة الزيادات للسوق الدولية فهل سنلجأ نحن للخارج لرفع الأجور؟ أي منطق أعور هذا الذي تتصرف به حكومة الأسعار المرتفعة؟
مؤامرة خارجية ضد أخنوش؟؟؟؟
