Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

ماذا تَقول لِحكومة لا تدين بِحقّ لشعبٍ تخاله أنعاما؟!

محمد فارس
[كمْ في الأمّة مِن أموال رُصدَتْ * لِزُعماء تَعدّهم أصناما
وحكومة لا تدين بحقٍّ * لِـشَعْب تخالُه أنعاما
لا رعَى الله مَن يبدِّدُ أمْوا * لَ البلاد ويَجمع الآثَاما]
في الواقع، أُصِبتُ بذهول وبخيبة عارمة وأنا أقرأ خبرًا أليمًا مفادُه أنّ رئيسَ الحكومة السّيد [العثماني] المنتمي لحزب ذي خلفية دينية يوقِّع على قرار بتخصيص (360) مليون درهم، أي ما يناهز (36) مليار سنتيم، لتمويل حملات الأحزاب السّياسية المشاركة في الانتخابات العامّة لانتخاب أعضاء مجلس النّواب الذين يتسابقون نحو موائد الحلويات؛ وعجَبي كيف طاوعه قلبُه، وقَسَتْ كبدُه ليوقّعَ على هذا المبلغ الضّخم، والأمّةُ تعاني من المرض، والفقر، والبطالة، وأنا أقول له صراحةً: ماذا تقول يا [عُثماني] لربِّكَ غدًا عند السّؤال المباشر حوْل ما وقّعتَ عليه، وهو تبذيرٌ لأموال الأمة التي أنتَ مجرّد موكَّل عليها لتحميها لا لتعطيها لأحزاب لا نفْعَ فيها؟ أجِبْ على السّؤال في خلْوتِك، فلستُ محتاجا إلى سماعه منك!
دخل قومٌ على [عُمر بْن عبد العزيز] رضي الله عنه ملتمسين منه أموالاً لتبييض جُدران مساجد الأمّة، فأجابهم قائلاً: [إنّ لي فقراء ومرضى، هم أوْلى بهذه الأموال بدل إنفاقها في تبييض الجدران؛ قُومُوا عَنّي!].. وهذا الإمام [عليّ] كرّم الله وجهَه، أقرضَ أخاه [عقيل] مبلغًا من بيت مال المسلمين، فأرغَمَه على ردِّه قائلاً له: [هذا ليس مالي، بل هو مال المسلمين، وأنا موكّلٌ على حمايته]؛ فكيف يا سيّد [عثماني] لا تعرف هذا، وأنتم تتحدّثون بالدّين، وتدّعون الدعوةَ إلى الله، وبها تخْدعون، وبواسطتها تُضلّون؛ فماذا عساكُم تقولون يوم السُّؤال؟! هذه الأموالُ كان من المفروض إنفاقُها في ما ينفع الأمّة، ويعزّز الجبهةَ الدّاخلية، لإعطاء صورة مُشْرقة ومُشرِّفة عن البلاد والعباد؛ كان من المفروض إنفاقُها في دعْم حاجيات، وقوتِ، وتمريض المواطنين المرضى؛ كان من الواجب تخصيصُ هذه المبالغ للبحث العلمي؛ ولِدَعْم التّنمية ولتقليص مُعاناة الذين يعانون في صمْت..
هل هذا معقول يا سيّد [رئيس الحكومة] أن توقّعَ على (36) مليارًا كدعْم حكومي للأحزاب الغُثائية والنّقابات الـمُنافقة، وفي اليوم التالي تطلبُ قرضًا من [البنك الدّولي] الذي هدفُه إنْهاكُ الأمم، وجعْلها رهينَة في يدِه، وحبيسة سياستِه الاستعمارية؟ كان عليك يا سيّد، يا [عثماني] أن تكونَ فظّا، غليظَ القلب تُجاه هذه الأحزاب، وتقول لها صراحةً: [ليس لديَّ دعمٌ لكم، فهذه أموالُ الأمّة، وليست أموالي، ومَن لا يستطيع أن يُنفِق على حملتِه، فلا أحدَ سَيرغمُه، وهذه الانتخابات لا تلزِمُه؛ قوموا عَنّي]؛ لو فعلتَ هذا يا [عثماني] لدخلتَ التّاريخ، ولنِلتَ رضا ربّك وثناءَ شعبِك، ولكنْ.. إنّ لنا يا [عثماني] عدوّا في الشمال، يتربّص بنا، وأخًا في الشّرق، وهو أشدُّهم كرهًا لنا، يرصُد هفواتِنا، ويُحصي عثَراتِنا، وكان من المفروض علينا أن نَكونَ على بيّنة من أمرنا، ومن الأخطار التي تتهدّدنا، وأعظم هذه البيّنة أن نحافظ على أموالنا، ونَدْعمَ جبْهتنا الداخلية، ونبَرَّ بشعبنا، ونحميه من نوائب الدّهر، وتقلُّبات الأحوال حتى نكون على أُهبة للدّفاع عن أنفسنا، وشعبُنا مستعدّ للنّزال يوم ندعوه للتّضحية، فيهبُّ بلا جدال للدفاع عن أمّة ما بخستْه حقّه، ولا داستْ كرامتَه، فيجيبها الشعبُ: لبّيْكِ يا أمّة، يا بلدَ، يا أرضَ الأجداد، يا موطنَ الأحفاد، روحي فداك، أُلبِّي نداك، لأنالَ رضاك!
يقول فيكم يا [عثماني] أديبٌ راحل، وهو يخاطبكم والحزنُ يعتصر قلبَه فيقول: [نحن أبناءُ الكآبة، وأنتم أبناءُ المسرّات.. نحن أبناءُ الكآبة، والكآبة ظلُّ إلاهٍ لا يَسكن في جوار القلوب الشّريرة.. نحن ذَوُو النّفوس الحزينة، والحُزن كبير لا تسعُه النّفوسُ الصّغيرة.. نحن نبكي، ونَنْتَحِب أيّها الضّاحكون على الذّقون، ومن يَغتَسِل بدموعه مرّةً يَظلّ نقيًا أبدَ الدّهر.. أنتم لا تعرفوننا، أما نحن فنعرفكم.. أنتم سائرون بسرعة مع تيار نهْر الحياة الجارف، فلا تلتفتون نحونا، ولا تسمعون أنّاتِنا، ونحن جالسون على الشاطئ، نراكم ونسمعكم.. أنتم لا تعون صراخَنا، لأنّ ضجيجَ الأيّام يَملأ آذانَكم، أمّا نحن فنسمع أكاذيبَكم لأنّ همْسَ اللّيالي قد فتح مسامعَنا.. نحن نراكم لأنّكم واقفون في النّور الـمُظلِم، أما أنتم فلا تروننا، لأنّنا جالسون في الظّلمة الـمُنيرة.. أنتم ترتاحون بقرب الجهالة، لأنّ بيتَ الجهالة خالٍ من مِرآة تروْن فيها وجوهَكم.. نحن نبكي لأنّنا نرى تعاسة الأرملة، وشقاءَ اليتيم، ومعاناة العاطل ونَسمع أنّاة المريض أمّا أنتم…

Exit mobile version