Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

ما هي أسبابُ غياب حكومة القُدُرات؟

محمد فارس
ليس لي في الفكر السياسي باعٌ أو ذِراعٌ، فأنا في دنيا السّياسة قارئ، لا يزيد على أن يحاول فهْم ما يقرؤُه، ثم لا يَجرؤُ أمام ضميره على أن يكون صاحبَ رأي شامل ممّا يَصحّ أن يُسَمى في السِّياسة مَذهبًا؛ فأنا أميلُ إلى الاعتقاد بأن هذه الأسماء التي يُطلقُونها على المذاهب السّياسية، كاللِّيبرالية، واليمين، واليسار، وغيْرها، هي مِن غُموض المعنى وإبهام المعالم، بحيث أعجب مِمَّن يستخدمونها في جُرْأة وبساطة، وكأنّها عندهم قد أصبحتْ واضحةَ الدَّلالة، محسومة الحدود؛ فكيف أُوصف بشيء منها وأنا لا أعلم على وجه الدِّقة ما هي؟ اللهمّ إلاّ أن يكونَ ذلك على وجْه التّقريب الذي قد يفيد في التّعليمات الـمُجردَة، ولا يُفيد عندما نصطدم بأرض الواقع ومُشكلاتِها؛ قد تقول لي: كيف لا تَعرف أنّ اللّيبرالية هي التّركيزُ على الحُرية الفردية، وأنّ اليسار صفةٌ تُطلَق على الاشتراكية بمختلف درجاتها، وأنّ اليميـنَ صفة أخرى تُطْلق على من أراد المحافظة على القديم؟
قد يقال لي ذلك، فلا يسَعني إلاّ الاعتراف بأنّني أعرف هذه الفواصل النّظرية بين الاتّجاهات الثّلاثة في عمومها، لكن الذي لا أعترف به ولا أعرفُه، هو أن تكونَ هذه الفواصلُ قائمة، بحدودها الواضحة، حين نَكون في غَمرة الـمُشكلات الكبرى أو الصّغرى والْتِماس حلول لها؛ خُذْ كُبْرى هذه الـمُشكلات في حياتنا: مشْكلة البطالة، ثم كيف تجِيء منطلقًا من قاعدة اليسار أو قاعدة اليمين؟ وخُذْ مشكلة الغِذاء الآن والمحروقات، فهلْ لها عندكَ حلولٌ ليبرالية، وأخرى يسارية، وثالثة يمينية؟ خدْ مثلاً صناديق التّقاعد الآيلة إلى الإفلاس قريبًا ومشاكل قطاع الصّحافة، وغلاء المعيشة، فهل لها حلولٌ ليبرالية، وأخرى يسارية، وثالثة يمينية؟ لقد حاول هؤلاء وهؤلاء دون جدوى رغْم أنّ هذه المذاهب على اختلافِها تَزْعُم للنّاس أنّها تَعرف ما هو الطّريق إلى الحلول، فكانت حلولهم كارثية في التّعليم، والصِّحة، والإدارة، والفلاحة، والرِّياضة، وقسْ على ذلك؛ فظهر أنّ هذه التّسميات هي مجرد شعارات لفظية، وتَسابُق نحو المناصب بتضليل الناخبين، وأما المشاكل فتزدادُ أو تبقى قائمة..
منذ (20) سنة، أي منذ بداية القرن (21)، هل رأيتَ اختلافًا بين الحكومات التي تناوبَتْ على تدبير الشّأن العام ببلادنا؟ فكلُّ الحكومات تَعتمد التّهديد، وتُريق دماءَ المواطنين خلال الاحتجاجات، وتمارسُ الاقتطاعات من أجور الـمُضربين، وتَرفع الأسعار، وتَتّخذ قراراتٍ استبدادية مُجحِفة في حقّ الشّعب، فهل تستطيع أن تُصنِّفها (أيْ هذه الحكومات) إلى ليبرالية، أو يسارية، أو يمينية انطلاقًا من سياستها؟ كلاَّ! فكلهم سواء، فهي حكومة واحدة، والسّياسة واحدة، والمشاكل هي هي؛ لا، بل حدثتْ تحالفات شاذّة ممّا نَسف هذه التّسميات، فلم يعُدْ هناك ليبرالية، ولا يسار، ولا يمين حتى لإنّ المؤرّخين سَيَسْتلقون على ظهورهم مِن وطْأة الضّحك، والسّببُ في هذه المهزلة أو الـمِضْحكة هو أنّ في البلاد حزبًا واحدًا، يتوزّع إلى أقزام حزبية ولا اختلافَ بين قزمٍ وقزم وأمّا تلك التّسميات، فهي للتّضليل والخداع والضّحك على ذقون المغاربة، ومن هذه الأحزاب الأقزام تأتي كافّة الحكومات بِعَبَدة المال، والمناصب، ومحبّي السُّلطة..
فالأمة التي تهمّ بالنهوض، تَحْرِص على تشكيل حكومة ليس بالضّرورة أن يكونَ وزراؤُها متحزّبين، لأنّ هذه الأحزاب لا تُكوِّن وزراءَ أكفاء، لأنّ همَّها الوحيد هو أن تنالَ قِسْطَها من الحقائب، وهي حقائبُ تَتحكّم فيها الولاءات، والقرابة، والصّداقات، والعلاقات بين الأسَر، حتى لإنّكَ تجد وزيرةً مثلاً تَطرُد موظّفين ليحلَّ مكانهم أقرباؤُها، وزوجُها، لأنّ الوزارات تستحيل مِلْكيات خاصّة لغياب الدّيمقراطية بأكسيسواراتِها المصاحبة لها من عَدْل، وقانون، ومراقبة، ومساءلة، وعزْل إنِ اقتضتِ الضّرورةُ ذلك.. أنتَ ترى أنّ الوُصوليين يتهافتون على المناصب لما تدِرّه من أموال وامتيازات وحصانة، فتجد الوزيرَ مثلاً قد صار وزيرًا وهو أمرٌ لم يحلُمْ به قطُّ، حتى لإنّه اندهَش وأَطلق العِنانَ لِلسانِه في نشوة ثَمِل، فهناك مَن أراد [تربية المغاربة]؛ وهناك من نزلَ بلسانِه إلى مستوى [التّقاشر]، وهناك من وصف المغاربةَ بـ[الكلاب]؛ وهناك، وهناك؛ وهذا يُدلّل بالملموس على أنّ هؤلاء ليسوا وزراء، ولا يتوفّرون على المواصفات والقدرات المطلوبة، لأنّ هذه القُدرات موجودة في البلاد، ولكن خارج الأحزاب الغُثائية التي استحالتْ إلى مِلكيات خاصّة، تحْكُمها الاستبداديةُ، ولا وجودَ فيها لِلدّيمقراطية وفاقدُ الشّيء، لا يُعطيه، وقد تكاثرتْ في البلاد، وتتلقّى دعمًا من خزينة الدّولة، ووُزراؤُها ونوّابُها يَأْكلون سُحْتًا بغير حقّ، والبلادُ مُقبِلة على أزمات غذائية، ومالية، وصناديق اجتماعية آيلة للإفلاس قريبًا والأمورُ أُسنِدت لِغَير أهلها، فانتظِرِ الكارثة..

Exit mobile version