محمد فارس
لو كانت [la junte militaire] الكابسة على أنفاس الجزائريين والمنْقضّة على رقاب الشّعب بالحديد والنّار صادقة في قولها بأنّها تساعد الحركات التحرّرية في العالم، لساندت بالسّلاح والأموال الفلسطينيين كما تساند جبهةَ الانفصاليين في صحرائنا المسترجعة.. لقد عُقِدت عدّة مؤتمرات لمنظمة التحرير الفلسطينية في [الجزائر]، وكان العسكر يَحشر في هذه المؤتمرات إرهابيين من (البوليساريو)؛ فماذا حقّقَ الفلسطينيون من هذه المؤتمرات غيْر اغتيال المناضل [أبو إيّاد]؟ هل قامت دولةٌ فلسطينيةٌ مستقلّة وذاتُ سيادة إلى جانب دولة [إسرائيل]؟ كم من أموال ومن أسلحة قدَّمت الطُّغمة العسكرية في [الجزائر] للإخوة في [فلسطين]؟ لو كانت هذه الطّغمةُ العسكرية المكوَّنة من جنيرالات [فرنسا] صادقة، فلماذا لم تَسْمَحْ لِلشّعب الجزائري بتقرير مصيره عبْر انتخابات حُرّة ونزيهة لقيام دولة مدنية، ومؤسّسات ديمقراطية كما يطالب الشعبُ عبْر مظاهرات مراطونية منذ أكثر من سنة؟ فالانتخابات المفبركة نظّمَها الجيشُ، وأشرف عليها [القايد صالح] الجنيرالُ قبْل وفاتِه، وهو الذي نصّبَ الرّئيس الصُّوري [تبون] ضدّا على إرادة الشّعب.. كَم همُ الذين صوّتوا على [تبون]، ولماذا يتظاهرون ضدّه لو كانوا هم الذين اختاروه؟ ثمّ ما الفرقُ بين ما يجري في [الجزائر] وبين الحال في دولة [ميانمار] العسْكرية؟ ما الفرقُ بين جزائريين يُمنَعون من العودة إلى بلدهم وبين فلسطينيين تمنعهم [إسرائيلُ] من العودة إلى أرضهم؟ الواقعُ يَفرض طرْحَ هذه الأسئلة، وهو المنْع نفسُه الذي تفرضه (البوليساريو) على المغاربة المحتجزين في معتقلات [تندوف] النّازية..
قضية صحرائنا المسترجعة صارت ورقةَ صغطٍ على بلادنا، ووُضِعَ ملفُّها عند مؤسّسات صورية لا قوّةَ غيْر مسرحيات تلوكُها الألسُن، وتمثّل مادّةً إعلاميةً للاستهلاك المجّاني، وموضوعًا يستغلّه [الطّبالة] في القنوات ويستثمره سماسرة السّياسة، وزمرة المنافقين وذَوُو الوجهيْن وأصحابُ المكاييل المختلفة.. لو كان هناك اتحادٌ إفريقي يستحقّ هذا الاسم، لحسَم في هذه القضية ولردَّ الحقَّ إلى نصابه، لكنْ ماذا تقول في اتّحاد إفريقي يعيّن [بوتفليقة] رئيسًا شرفيًا وهو على كرسي متحرك، وغائب عن المؤتمر؟ ماذا تقول لاتّحاد إفريقي يسمح لممثّل (البوليساريو) بمقعد دائم وهو لا يمثّل دولةً شرعيةً معترفًا بها عالميًا؟ هل هذا معقول! ماذا فعلتْ أَقْدم جامعة في التّاريخ، وأعني بها [الجامعة العربية] التي اقترح نشْأَتها وزيرُ [تشرشل] في الخارجية، المدعو [أنتوني إيدَن]، ونفّذ الاقتراح [باشا النّحاس]، فصار اسمُها [جامعة النَّحاس باشا] كما يسمّيها المؤرِّخون للحطّ من قيمتها؟ فأيّ مشْكل حلّتْ منذ قيامها، وأيُّ قرار نُفّذَ منذ نشأتِها؟ الجواب: لا شيء على الإطلاق.. أيّ دوْر إيجابي وعادلٍ تنتظرُه من الاتّحاد الأوروبّي الذي تتحكّم به دولٌ استعمارية؟ فمقرُّه في [بلجيكا] التي استعمرتْ [الكونغو]، وأبرزُ أعضائه [فرنسا] التي حكَمتْ بالفقر، والتّخلف على دول إفريقية؛ و[هولاندا] التي استعمرت [أندونيسيا] المسلمة؛ و[إيطاليا] التي قطعتِ الرُّؤوس في [ليبيا]، و[الصّومال]، و[إريتريا]، و[الحبشة] التي كانت تسمّى [لاَبِيسِيني]؛ و[ألمانيا] النّازية الصّهيونية؛ ودول [اسكونديناڤيا] أو بُلدان [الڤايكينغ]؛ و[إسبانيا] الصّليبية التي استعمرت [المغرب] وقتلت المغاربة بالمطر الأصفر بتعاون مع [فرنسا]، وهي الأصل في مشكل صحرائنا المسترجعة، وما زالت تستبطن لنا عداءً تاريخيًا في [لا شُعورها] المريض..
فأيّة منظمة بقيتْ لنا ولم نذكرْها بما فيها من زيفٍ ونفاق؟ يجيب القارئُ الكريم: [الأمم المتّحدة].. في الجمعية العامّة، (60 بالمائة) من عدد العاملين فيها، هم صهاينة، و(منظمة الأمم المتّحدة) للتربية والعلوم والثقافة، يعني [اليونيسكو] المؤسَّسة في (04 نونبر 1964) تكاد تكون ماسونية محضة، وفكرةُ تأسيسها يهودية، أرادوا من وجودها السّيطرة على مناهج التربية والتعليم استعدادًا لليوم المرتقب.. فماذا حقّقت [الأممُ المتحدة] عبر تاريخ نشْأتها، وأيُّ مشكل حلَّت بشهادة المؤرّخين؟ لقدِ اعتَرفتْ بقيام الكيان الصّهيوني في [فلسطين]، ولذلكَ تمَّ خلقُها بالأساس، فلم تنفّذ [إسرائيلُ] أيّ قرار من قرارات مجلس أمنها لأنّها أي [إسرائيل] تَعلم مسبقًا أنّ القرارات ليست ملزِمة لها ولا تعيرها أيّ اهتمام، فهي قراراتٌ صورية ونفاقية ليس إلاّ.. فمقر [الأمم المتّحدة] بُنيَ على رقعة أرضية تَبرّع بها ماسونيٌ ثريٌ يُدْعى [روك فيلير]؛ لهذا لا يُرْجى خير من ورائِها.. هذه حقائقُ صادمة، وحقٌّ يضرّ خيرٌ من باطلٍ يَسُرّ.. ونحن في [المغرب]، وحتى نكونَ دولةً قوية، يجب أن تكونَ لنا انتخاباتٌ نزيهةٌ، ومؤسّسات حقيقية، وجبهة داخليةٌ صلبةٌ، وحكومةٌ حازمة لا يشكِّلها الكذَبةُ وأصحابُ (القُفَف) وناشِرو الوعود الزّائفة..
ما هي العوامل التي تعرقل تسويةً نهائيةً لقضية صحرائنا المسترجعة؟
