Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

متى بدأ التّطرفُ والإرهابُ في هذه الأمّة المنكوبة؟

محمد فارس
إنّ التطرف الذي يشهده العالمُ العربي اليوم، لم يَخلقْ من عدم، بمعنى أنه لم يبدأ من الصّفر؛ فهو يَكتسب وجودَه من حيث انتهى الآخرون، فهو نتاجٌ لمجموعة مكوّنات المجتمع، وحزْمة التأثيرات المكونة للأفراد والجماعات على المستوى التاريخي والعقائدي، بمعنى أنّ هناك عقائد أو مذاهب إذا أردنا أن نسمّي الأشياءَ بأسمائها، مؤهّلة أكثر من غيرها لإنتاج التّطرف؛ يكفي أن تطلّ إطلالةً سريعةً على الفتاوى الصّادرة من شيوخ يُبيحون قتْل الآخر المختلف مذهبيًا، وإنْ كان متّحِدًا إسلاميًا، وكيف يُرفض التّعاملُ مع من يخالفهم، فيُدْفَع بالتّطرف إلى أقصاه حتى يكون القتلُ [واجِبا دينيًا]؛ وفي الوقت نفسه، يُعْطَى المبرّرُ المادِّي لاتّهام الإسلامِ ككُلّ بالتّطرف والإرهاب.. مع هذا المناخ، تساهم مجموعة المسلّمات الفكرية، والتّاريخية الجاهزة لصناعة متطرفين يَجدون في منظومة العقائد ما يبيح لهم هذا التطرف الذي يحسبونه (جهادًا)، وهو عند الآخرين تطَرفٌ وإرهاب؛ لكنْ متى بدأ تاريخيًا هذا التّطرفُ وقتْلُ كلّ مخالفٍ للرّأي في التّاريخ الإسلامي القديم؟
كلّ باحثٍ في هذا الشّأن، يختار تاريخًا ينطلق منه في بحثه، لكنْ لو دقّقتَ النّظر جيّدًا، لألفيتَ أن التّطرف والاختلاف اللّذين استحالاَ إلى فِتن دموية، بدآ مباشرةً بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وقد تنبّأ بهما عليه الصّلاةُ والسلام، حين قال: [لا تَصيروا بَعْدِيَ كُفّارًا يضرب بعضُكم رقابَ بعض] هكذا وردَ في [صحيح البخاري] كوصية، لكنْ عند الإمام [أحمد بن حنبل] في [مُسنَده] جاء الحديثُ على شكل نبوءَة، حيث قال صلّى الله عليه وسلّم: [تَصيرون بعدِي كفّارًا يضرب بعضكم رقابَ بعض]؛ وسواء أكانت وصيةً أو نبوءَةً، فذاك ما حدث وصدق رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وقد بدأَتِ الفتنةُ الأولى في [سَقيفة بني ساعِدة]، حيث اختلف المهاجرون والأنصار حوْل من يصير خليفةً؛ وخلال خلافة [أبي بكر الصّديق] حدثت [حرْبُ الرِّدَة] حيث امتنعت قبائلُ عن دفْع الزّكاة لبيت مال المسلمين.. ولـمّا تولّى [عُمرُ بنُ الخطّاب] الخلافةَ، قُتِل غيلةً؛ ولـمّا تولّى [عثمان بنُ عفّان] الخلافةَ، ثار عليه بعضُهم، وقتلوه في بيته بعد حصارٍ شديد؛ ولـمّا تولى [عليّ بن أبي طالب] الخلافة، قتلهُ في المسجد [ابن مُلْجَم] الذي مدحه الشّاعرُ [ابنُ حِطّان]؛ وفي عهد خلافة [عَليّ] ظهر [الخوارجُ]، وتفرقوا إلى عشرين فرقة، وكانوا لا يتورّعون عن ارتكاب أشدّ الأعمال قسوةً، لا فرق لديهم بين امرأة، أو طفل رضيع، أو شيخ، كما كانوا يأتون أفظع المنكرات، وأكبر الكبائر، وقد كان من بين هذه الفِرق [الأزارِقَة] أصحابُ المدعو [نافع الأزرق]، وقد كفّروا [عليًا] وجميع المسلمين، وكان [نافع] يستحلُّ القتل..
ومن فِرقهم أيضا، نذكُر [النَّجْدية]، وهم أتباع [نَجْدة بن عامِر الحنَفي]، و[البهيسية]، وهم أصحاب [أبي بهيس بن جابر]، و[الأباظية] أتباع [عبد الله بن أباظ التّميمي]، و[الصَّفرية]، وهم أصحاب [زياد الأصفر]، وغيْرهم ممّا لا تسعه الرقعةُ.. كان الخوارجُ في أول أمْرهم حزبًا سياسيًا، ويمكن تلخيص نظريتهم في الخلافة في أنّها حقٌّ لكلّ عربي حرّ، فلا يصحّ له أن يتنازلَ عنها، وإذا جار استحلُّوا عزْلَه أو قتْلَه كما جاء في كتاب [مروج الذّهب] لِلْمسعودي؛ ثم أدخلوا تعديلاً على هذا الشّرْط، فوضعوا الإسلامَ والعدلَ بدل العروبة والحرّية، لذلك ترى اليوم، كلّ الفِرق الإرهابية التي تنْسب نفسها للإسلام تدّعي العدلَ والإحسان، وتنتج الفتاوى فيعدّون المجتمعات المسلمة كافرة، بل يَذهبون في معاملة المسلمين إلى ما هو أقسى من معاملة الكفّار، فالمسلمُ الذي يخالفهم يعتبر كافرًا..
لقد ذَكرنا في أول فقرة مسألة المذاهب في الإسلام، وقد يتساءلُ القارئُ الكريمُ حوْل ما إذا كانت بعضُ المذاهب تؤدّي إلى التّطرف والعنف والإرهاب؟ الجواب: نعم، حدث ذلك.. في عهد [الرّاضي] في العصر العباسي الثاني، ظهرتْ منازعات دينية في [بغداد] حيث ظهَر [الحنابلةُ]، وفرضُوا عقيدتَهم، فإنْ رأوا مغنّيةً ضربوها، وكسَّروا آلة الغناء، واعترضوا في البيع والشّراء، ومَشْيِ الرّجل مع النّساء والصّبيان، فإذا رأوا مَن يمشي مع امرأة أو صبي سألوه عن التي أو الذي معه، فإنْ أخبرهم، وإلاّ ضربوه وشهِدُوا عليه بالفاحشة، كما قاموا بإحراق كتب الفلسفة والـمَنطق، وكان إذا مرّ بهم (شافعيٌ) ضربوه بعِصيهِم.. وقد ظهرت في العصر العبّاسي الثّاني حركاتٌ سياسيةٌ دينيةٌ متطرّفة، نذْكُر منها [البابِكية]، و[الخُرميَة]، وهما طائفتان يَجمعهما القولُ بالتّناسخ والحلول، وكانت هذه الفرقُ الإرهابيةُ قد ساهمت في تفكُّك المجتمع، وإضعاف الدّولة العبّاسية؛ لذا، فالتّطرف له جذورُه التاريخية، وأمّا ثقافة الكراهية فترجع إلى عناصرَ عديدة دينية، ومذهبية، وقومية، وقبلية؛ وهكذا، ترى أعداءَ الإسلام يدمِّرون الإسلامَ باسم الدّفاع عن الإسلام..

Exit mobile version