Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

متى تتوقف البنايات عن السقوط فوق رؤوسنا؟

من جديد، فاس تبكي أبناءها. عشرة أرواح أُزهقت، طفل يفقد عائلته دفعة واحدة، وأجساد تنتشل من تحت الردم كما لو أننا في منطقة منكوبة وليس في قلب مدينة تاريخية يفترض أن تحظى بحماية العمران والإنسان.

 

انهيار بناية متعددة الطوابق في فاس ليس مجرد حادث عرضي ولا قضاءً وقدرًا نمر عليه مرور الكرام. هو عنوان صارخ لفشل مستمر في تدبير ملف البنايات الآيلة للسقوط، وهو كذلك نتيجة مباشرة للتقاعس المزمن في تطبيق قرارات الإخلاء، وفي الإنصات الحقيقي لأصوات الخطر القادمة من جدران تتآكل يومًا بعد آخر.

 

كيف يُعقل أن بناية مصنّفة منذ مدة ضمن قائمة الخطر، وتتوفر بشأنها أوامر بالإخلاء، تظل مأهولة بالسكان؟ من الذي قرر غض الطرف؟ ومن الذي لم يتحرك في الوقت المناسب؟ ومن يدفع الثمن؟ المواطن البسيط طبعًا، الذي يجد نفسه فجأة تحت ركام الفساد الإداري أو التهاون في تنفيذ القانون.

 

نحن هنا لا نتحدث عن أول حادث، ولا عن استثناء. المدن المغربية، وعلى رأسها فاس والدار البيضاء وسلا، تعاني منذ سنوات من ظاهرة “التهالك الصامت” لمئات المباني التي تتحول في لحظة إلى قبور جماعية.

 

القضية ليست في فتح تحقيق جديد، بل في الإرادة السياسية الفعلية لحسم هذا الملف المؤجل، والذي تُرك حتى صار الموت الجماعي ثمنًا لإغلاق أعيننا. ما نحتاجه ليس فقط محاسبة بعد الفاجعة، بل سياسة استباقية واضحة، تضع حياة الناس في مقدمة الأولويات.

 

أيوب، الطفل الذي نجا من الانهيار وفقد عائلته، لن يعيد التحقيق له عناق أمه ولا دفء بيته، لكنه يضع أمامنا مرآة لما أصبح عليه واقعنا: هشاشة في البناء، هشاشة في القرار، وهشاشة أكبر في قيمة الإنسان.

 

أليست حياة المواطن أغلى من جدران تنهار؟ أم أننا لا نتحرك إلا حين يتحدث الدم؟

Exit mobile version