Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

متى نقدِّم وثيقة المطالبة بالاعتذار والتّعويض؟

محمد فارس
قالوا في تلفزتهم، إن تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، كان حدثًا نوعيًا، وهذا صحيح إلى حدٍّ ما، ولكنْ ماذا بعْد هذا الحدث النّوعي في تاريخ بلادنا؟ فهل أعقبتْه وثيقة أخرى نوعية تطالب بالاعتذار والتعويض عمّا اقترفه الاستعمار البغيضُ من قَتْل، وسرقات، واغتيالات، وإعدامات، ومصادرات يذكرُها التاريخُ بالأدلّة التي لا تحتمِل الشّكَّ ولا مجالَ فيها للارتياب؟ الشّهداءُ في قبورهم ينادون: يا من تَركنا لكمُ البلادَ محرَّرةً، بعْدما قدَّمنا أرواحنا، ورُمّلَتْ نساؤُنا، ويُتّمَ أطفالُنا، فهل سألتُم بأيّ ذنبٍ قُتِلْنا، وبأيِّ قانونٍ أُعدِمنا، وبأيِّ عدالة وارينا التُّراب وقد تركْنا لكم [المغربَ] مُحرِّرًا، أَبيًا، فماذا فعلتُم لتردُّوا اعتبارنا، وتسائلون قاتِلَنا، أم دماؤُنا صارتْ بخسةً إلى هذا الحدّ وأنتم تَنعمون اليوم بالحرّية والاستقلال وتتخوّضون في ثروات البلاد؟
هذا يلزِمني بالعودة إلى التّاريخ أسألُه عن كيفية احتلال [فرنسا] لبلدي [المغرب] فكان جوابُه كما يلي: كانت [بريطانيا] هي مَن سيحتلّ [المغرب]، لكنّها عدلَتْ عن ذلك، وسلّمتْه إلى [فرنسا]؛ ولم يُنْه مؤتمرُ الجزيرة الخضراء في سنة (1906) الخِلافَ الألماني الفرنسي، لأنّ [ألمانيا] كانت من الطّامحين للاستعمار، و[فرنسا] طلبتْ رأيَ [إسبانيا] واستشارت الملك [ألفُونس. 13] وهو جدُّ [فيلبِّي السّادس] ملك [إسبانيا] الحالي، فكان جوابُه إيجابيًا، لكنّ الأمر لم يكن خاليًا من بعض الخلافات بين [فرنسا] و[ألمانيا] حوْل مسائلَ معيَّنة؛ وفي (9 فبراير 1909)، وُقِّعَتْ اتّفاقيةٌ ألمانيةٌ فرنسيةٌ في [برلين] أكّدتِ الموادّ الواردة في [ميثاق الجزيرة] اعترفتْ فيها [ألمانيا] بمصالح [فرنسا] في [المغرب]، مقابل اعتراف [فرنسا] بمصالح [ألمانيا] الاقتصادية، لكنّ الخلافَ سُرعان ما دبَّ بين الدّولتين بشأن [المغرب] سنة (1911) واتّخذَ شكْل أزمةٍ سياسية دولية.. حدثتْ اضطراباتٌ داخل [المغرب] استعلّتْه [فرنسا] وكانت هي الأصلَ فيه، فأَرسلتْ قوّاتها بقيادة الجنيرال [موانبِيه] بدعوى حماية البلاد وحماية الرّعايا الأوروبّيين، فاحتلّت مدُن: [مكناس، ووجدة، والدار البيضاء، وفاس]، وتحركَتْ [إسبانيا] واحتلّتْ [العرائش، والقصر الكبير]، وقرَّر الألمانُ التّدخلَ والاستيلاء على (الصّويرة وأغادير) كردِّ فعْل..
أَرسلَت [ألمانيا] إحدى سفُنِها الحربية [الفَهْد] وهدّدتْ بقصف [أغادير] ولم تكُن تناور، بل كانت جادّة، فوزّعت مذكّرةً برَّرتْ فيها تدخّلها: (1 استنجادُ أصحاب المصالح الألمانية في المغرب.. (2 سُخْط الرأي العام الألماني بسبب إقصاء [ألمانيا].. (3 خرقُ [فرنسا] و[إسبانيا] لـمُقررات مؤتمر [الجزيرة الخضراء].. وهكذا، أَعلنت [ألمانيا] أنّها لن تسْحب سفينتَها إلاّ بعد انسحاب [فرنسا] و[إسبانيا]؛ وفي (10 يوليوز 1911) بدأتِ الـمُفاوضات، اعترفَت فيها [ألمانيا] بالحماية الفرنسية على [المغرب] لقاءَ تنازُل [فرنسا] عن جُزْء من [الكونغو] الفرنسية للمستعمِر الألماني؛ لذا ترى أنّ كلّهم مستعمرون بالغريزة، ولا فَرْق بين هذا وذاك الذين يُسمَّوْن اليوم: الصّديق التّاريخي، والحليف الاستراتيجي، والشّريك الاقتصادي، وغيْر ذلك ممّا يردِّده المطبِّلون في وسائل إعلامهم الـمُضلِّلة؛ وهكذا أطبقَتْ كمّاشة المستعمر الفرنسي على [المغرب] بشكلٍ كاملٍ وشامل، ومورِسَ القتلُ والإعداماتُ، والمصادراتُ طيلة أربعين سنة حتى كفانا الشُّهداءُ والمجاهدون شرَّ هذا الاستعمار البغيض..
[فرنسا] منها انطلقت الحروبُ الصّليبية بعد خطاب البابا [أُورْبان الثاني] في مدينة [كليرْمون] الفرنسية؛ و[إسبانيا] هي التي نكّلتْ بالمسلمين بعد سقوط [غرناطة] وما تزال تحتلّ [سبتة] و[مليلية]؛ و[ألمانيا] منها خرجتْ كلمةُ الصُّهيونية تاريخيًا.. [فرنسا] دعتِ المغاربة لمساعدتِها في التّحرير من نَيْر النّازية مقابل الجلاء عن [المغرب] فأخلَّتْ بوعودها: و[إسبانيا] استعانت بالمغاربة لمحاربة الشّيوعية الملحِدة، ومع ذلك استبدّت بها نزعتُها القروسْطية المظلِمة، فصِرْنا نحاربهم بعْدما حاربْنا إلى جانبهم، فهل يُرجى خيرٌ من هؤلاء؟ أجيبوني أنتم! قال [ماكْرون] إنّ الاستعمار، جريمةٌ ضدّ الإنسانية، ولكنّ ذلك كان كلام دعاية انتخابية ليس إلاّ.. و[ألمانيا] تحتضن اليوم أعداء الملَكِيَة، وخصومَ وحْدَتِنا التّرابية أم أنا مُخطئ؟ الآن، وليس هناك غيْر الآن، كان لابُدّ من إصدار وثيقة الـمُطالبة بالاعتذار الرّسمي وبالتّعويضات عمّا جنتْه [فرنسا] في بلادنا من قتْل، وإعدامات، وإرهاب إذا كانت ترغب حقّا وصدقًا في علاقةٍ مغربية فرنسية لا تشوبها شائبةٌ حتى يرتاحَ شهداؤُنا في قبورهم، ويرضَوا عنّا، فهل هذا ممكِن؟ لا أظنّ ذلك وقد عجّت بلادُنا بمن يخدُمون [فرنسا]، ويقلّدون سياستَها، ويعتمدون لغتها، ويمارسون القِرديَةَ في تطبيق قوانينها ومنهم من يطالبنا باعتماد أخلاقها وإلحادها بدعوى التّفتح؛ وهذا هو شكْل آخر من أشكال الاستعمار الحديث، مع العِلم أنّه ليس هناك بلد أخلصَ لفرنسا وتقدَّم أوِ ازدَهر.. فإصدارُ هذه الوثيقة، ينتظر أجيالاً قادمة، مغربية أصيلةً، ومؤمنةً صادقة، وأمّا هؤلاء أولادُ [ماما فرنسا] فلا يُرجى خيرُهم، ولا جدوى من تذكيرِهم بهذا التّاريخ؛ هذا هو الواقع..

Exit mobile version