Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

مذابحُ الجزائر وإرهاب الطُّغمة العسكرية

محمد فارس
في (12) من شهر (يونيو) 1990، جرت أول الانتخابات الحُرة لمجالس البلديات والولايات في (الجزائر) على نحوٍ جديد ونزيه في كلّ أرجاء البلاد العربية بناءً على تعدّدية حزبية لاستمرار الدّيمقراطية، وخاضت (جبهة الإنقاذ) هذه الانتخابات، وفازتْ فوزًا ساحقًا ممّا زلزل الواقع السّياسي في البلاد، فسُحِبَ البساطُ من تحت أقدام (جبهة التحرير) كحزب حاكم ملَّه الناس، وفي مجالس البلديات، تجلّى الواقعُ المخيفُ لِلنّهب، والسلب، والإفلاس، وقد كان مُترافِقًا مع تلاعُب السّلطة بتقسيمات الدوائر الانتخابية بين الشمال والجنوب، وذلك لتقليص نفوذ (الجبهة)، ومن ثمّة لئلاّ يربح حزبٌ إلاّ بوجود الحزب الحاكم وبالتآلف معه.. احتجّت (الجبهة) على هذا التصرّف، وطالبت بإصرار بإلغاء القوانين التي تُعرقِل هذا الوضع الانتخابي، ثمّ زادتْ بأنْ طالبت بترحيل الرئيس عن السّلطة، وانتشرت المظاهرات الدّاعمةُ والمؤيدة، وبدأت عناصرُ البوليس تتدخّل في (29) من شهر (مايو)، فتمّ إطلاقُ الرّصاص، وبدأت عناصر الشّرطة تُطْلقُ النار دون تمييز لأيِّ إنسان، وبالتالي، حاولتِ القوات أن تُسيطر على الأحياء في الرابع من (يونيو) غيْر أنّ الاشتباكات تزايدتْ، وفي صباح الخامس من (يونيو) أعلن الرئيسُ سيادة الأحكام العُرفية، وأُقيلتْ حكومة [حمْروش]، وعُلِّق العملُ بالدّستور، وبدأ حكمٌ عسكريٌ ظاهِر بعْد أن كان متخفّيًا يتستّر تحت ستار اللّعبة الدّيمقراطية بدءًا من [خالِد نِزار] حتى القادة الصّغار..
وبالرغم من كل هذا، فقد فازت (الجبهة) في الانتخابات التشريعية في البرلمان في الدورة الأولى، على أن تَجري الدورةُ الثانية يوم الخميس الموافق للسادس عشر من (يناير) عام (1992)، غيْر أنّ هذه الانتخابات أُرجئَت إلى أجل غيْر مسمّى، ولم يَرْضَ العسكرُ على وجود (الجبهة) في البرلمان كحزب حاكم، وبما أنّ اللّعبة يجب أن تستمرّ أمام الرأي العام لدى قادة العسكر، فلابدّ من تلميع الصّورة باجتلاب رَمز قديم من (جبهة التحرير)، فكان [محمد بوضياف] هو الرئيسَ الجديد لهذا الوضع..
وتسلّمَ [بوضياف] مقاليد السلطة، وبدأت لعبة جديدة في صفوف العسكر مع تخطيطات جديدة لِلزّعيم الجديد؛ لكنّ [بوضياف] رفض الانصياع لقراراتهم وأراد أن يكونَ رئيسًا فعليًا وليس دميةً بيد العسكر، وهو حالُ كل الرؤساء منذ [الشاذلي بنجديد]، وحتى يومِنا هذا في عهد [تبّون] الرئيسُ الصّوري للجزائر؛ لقد حاولَ [بوضياف] انتزاع السّلطات والإمساكَ بها بيده، فلم يُرْض ذلك العسكر، فعمدوا إلى تدبير اغتياله، وفي هذه الأثناء، بدأتْ تحوّلاتٌ خطيرة في هذه الحرب في الجزائر، إذ لم يدْرِ أحدٌ منِ الذي يقُوم بهذه المذابح الشّنيعة؟ ولكنّ كفّة الأحداث، أظهرتْ بما لا يدع مجالاً للشّك أنّ العسكر كان يقوم بالمذابح ويدبِّرها، ثم تُلْصَق كذبًا بالجبهة التي نُفي زعماؤُها، وتعاظمتِ المذابحُ، وكان الأسلوبُ الفظيعُ في القتل الجماعي للناس المسَالمين هو عيْنه الأسلوب المتّبَع في [البوسنة والهرسَك] على يد [الصّرب]، وممن فضحَ العسْكَر، هو جنودٌ صحا ضميرُهم، وفرُّوا وألّفُوا كتبًا وأدلَوا بشهاداتِهم..
وأخطر من هذا، أن تقريرًا من طبيب في المشْفى الوطني، ذَكر أنّ أحدَ القتلى الذين استطاع بعض الأهالي اصطيادهم أثناء عملية تَذْبيح جماعِيَة كان غيْر مختُون، وهذا يعني أنّ بعض من يقومون بهذه المذابح ليسوا المسلمين الذين ألْصَق بهِمُ العسكرُ هذه التُّهَم، وأخيرا، انجرف العَلْمانيون إلى تأييد أنّ العسكر ضالعون في الجرائم التي تحْدُثُ في البلد.. وفي زَخم هذه الأحداث، كانت العملية الديمقراطية الشّكلية تتمُّ باسم العسكر، وكلّ رئيس من [زرْوال] إلى [تبّون] محكومٌ بقرارات العسكر، لا ينْفكُّ عنها، بل يسير في هذا الفلك، لا يُمكن أن يَخرج عن خطّ سِمَتِه أو مِحْوَرِه؛ وهكذا، خسِرتِ الجزائرُ من أبنائها أكثر ممّا خسِرتْه خلال مائة ونيّف من سنوات الحرب ضدّ [فرنسا]؛ وهنا يحِقُّ لنا أن نتساءل: كيف للعسكر الذي يَدّعي مساندتَه للشّعوب لتقرير مصيرِها، وهو الذي يقتُل ويَذبَح شعبَه؟ كيف لعَسكَر يدّعي محاربته للإرهاب، وهو الذي مارس الإرهابَ ضدّ مواطنيه طيلة عشر سنوات كاملة؟ كيْف لهذا العسكر أن يدّعي مساندتَه للكفاح الفلسطيني، وهو الذي مارسَ القتلَ في شعبه أكثر ممّا مارستْه (إسرائيلُ) في حقّ الفلسطينيين؟ والحقيقةُ أنّ بلدًا يدير شؤونَه عسكرٌ دمَوِيٌ وإرهابيٌ بشهادة كل المؤرّخين، هو بلدٌ دولتُه لا يُؤْمَن جانبُها، وقد ازداد العسكر صولةً وجبروتًا أكثر ممّا كان؛ هذه حقيقة..

Exit mobile version