ارتفعت حدة المطالب البرلمانية والحقوقية في المغرب من أجل تبني سياسات فعالة وملموسة لمواجهة معضلتين اجتماعيتين واقتصاديتين بارزتين: الحجم المهول للاقتصاد غير المهيكل، واستمرار استغلال الأطفال في سوق الشغل في ظروف قاسية وغير إنسانية، خصوصًا في القطاعات الشاقة وغير المنظمة.
و وجه فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب سؤالًا كتابيًا إلى وزيرة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، دعا فيه الحكومة إلى اتخاذ إجراءات عملية لتحفيز انخراط القطاع غير المنظم في الاقتصاد الرسمي.
واستند الفريق البرلماني إلى معطيات رسمية صادرة عن المندوبية السامية للتخطيط، تكشف أن عدد وحدات الإنتاج غير المنظمة بلغ سنة 2023 حوالي 2,03 مليون وحدة. هذه الوحدات حققت رقم معاملات يُقدر بـ526,9 مليار درهم، بما يمثل 10,9% من الناتج الوطني الإجمالي، كما ساهمت بنسبة 33,1% في إجمالي التشغيل غير الفلاحي. ومع ذلك، لا تتجاوز نسبة الشغل المأجور داخل هذا القطاع 10,4%.
واعتبر الفريق أن هذه الأرقام تعكس بوضوح حجم الاقتصاد غير المهيكل في المغرب، رغم المجهودات المبذولة منذ سنوات. وأكد على ضرورة استحضار البعد الاجتماعي إلى جانب الاقتصادي في معالجة هذه الظاهرة، خصوصًا فيما يتعلق بوحدات الإنتاج الصغرى ذات الطابع العائلي أو المعيشي، التي تفتقر إلى القدرة على تحمل الأعباء الاجتماعية والضريبية المفروضة على المقاولات.
وشدد الفريق على أهمية مراجعة النظام الضريبي بما يحقق العدالة الجبائية التي نص عليها القانون الإطار، داعيًا إلى تخفيف العبء الضريبي عن المشاريع الصغيرة جدًا وتوفير حوافز مالية وتشريعية تُشجع على الإدماج الطوعي في النسيج الاقتصادي المهيكل. كما طالب بكشف الإجراءات التي تعتزم الحكومة اتخاذها لتسهيل هذا الانتقال ودمج القطاع غير المنظم في الاقتصاد الوطني الرسمي.
من جهتها أطلقت العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان نداءً حقوقيًا حادًّا بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال، الذي يُصادف 12 يونيو من كل عام، محذّرة من استمرار انتهاك حقوق آلاف الأطفال في المغرب، الذين يُجبرون على العمل في ظروف غير إنسانية، خصوصًا في القطاعات الخطيرة والشاقة، وأعمال المنازل التي تُمثل خرقًا صارخًا لحقوق الطفولة.
وأشارت العصبة إلى هشاشة التدخلات الحكومية وغياب الرقابة الفعلية على الأنشطة الاقتصادية غير المهيكلة، ما يُسهم في استفحال ظاهرة تشغيل الأطفال، خاصة في المناطق الهشة والقروية، حيث يُستغل الأطفال لأغراض اقتصادية على حساب تعليمهم وصحتهم وكرامتهم.
كما ذكّرت العصبة بتوصيات لجنة حقوق الطفل بالأمم المتحدة التي صدرت سنة 2014، والتي دعت المغرب لاعتماد استراتيجية وطنية فعالة لحماية الأطفال من العمل، خاصة في القطاعات الخطرة، وتعزيز آليات التفتيش، وتوفير بدائل تعليمية واجتماعية كفيلة بانتشال الأطفال من براثن الاستغلال الاقتصادي.
وانتقدت العصبة غياب سياسة عمومية واضحة لمكافحة عمل الأطفال، وضعف التنسيق بين المؤسسات المعنية، بالإضافة إلى انعدام خرائط وطنية دقيقة تُحدد بؤر استغلال الأطفال، مما يُقلّص من فاعلية التدخلات ويُساهم في استمرار الإفلات من العقاب في صفوف المشغلين والمستغلين.
و في ضوء هذا الواقع، طالبت العصبة الحكومة بوضع خطة وطنية استعجالية للقضاء على ظاهرة تشغيل الأطفال، تتضمن تعزيز موارد مفتشية الشغل، وتفعيل الرقابة، وتجريم الوساطة في تشغيل الأطفال، وضمان الولوج العادل للتعليم الجيد، ودعم الأسر الفقيرة اقتصاديًا واجتماعيًا.
وشددت على أهمية احترام التزامات المغرب الدولية، وتقديم تقارير وطنية محدثة وشفافة إلى هيئات الأمم المتحدة حول التدابير المتخذة، داعية إلى تحويل ملف محاربة عمل الأطفال إلى قضية مجتمعية تتطلب تضافر جهود الدولة والمجتمع المدني ومختلف الفاعلين، و الواقع الراهن يُبرز الحاجة الماسّة إلى إرادة سياسية حقيقية لتفعيل إصلاحات اقتصادية واجتماعية تُراعي التوازن بين النمو الشامل وكرامة الإنسان، خاصة في ظل التحديات المرتبطة بالاقتصاد غير المهيكل، وحماية فئة الأطفال من كافة أشكال الاستغلال والانتهاك.
مطالب برلمانية لإدماج القطاع غير المهيكل
