Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

معلومات “ملوثة”…عن المغالطة باستعمال صور وأخبار حقيقية

إدريس عدار
المعلومات مثل الهواء تتعرض لخطر التلوث بشكل كبير. ويصبح الضحية فيها متهما. بعد نتائج الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة الأمريكية تحدثا بوش الابن وأوباما عن دور وسائل التواصل الاجتماعي في تزوير الحقائق. كلاهما يقف خلف غزو أفغانستان والعراق وتدمير سوريا وليبيا وغيرها بدعاوى مختلفة وعلى رأسها امتلاك أسلحة الدمار الشامل. بعد الدمار وخراب مالطة تبين أنه لم تكن في العراق لا أسلحة دمار شامل ولا أسلحة ضرورية للدفاع عن النفس. كانت هناك كذبة كبيرة. ربما القادة الأمريكان يسمحون بالكذب خارج البلاد لكن من غير المسموح به في الداخل وفي الصراع السياسي.
وفرة المعلومات جعلت منها سلاحا في الحروب الحالية أكثر من أي سلاح آخر. أحصت جهة بحثية استعمال 50 ألف مادة إعلامية زائفة موجهة في قضية واحدة وفي فترة شهر ونصف الشهر فقط. كم هائل من المواد الإعلامية التي تشبه الريح العاصفة، التي لا تترك للمرء الإمساك بتلابيبه حتى يعتدل وقوفه. والأدهى من كل ذلك أنهم يصدقون في بعض الأحيان كي نصدقهم في باقي الأكاذيب.
لم يعد الكذب مرضا أخلاقيا، ولكنه موضة العصر. ومن قال بأن الموضة في كل مناحي الاستهلاك ليست سلاحا؟ كثير من الدول والشعوب تستيقظ اليوم لمواجهة الموضة باعتبارها عنصرا للسيطرة الناعمة. فلا عجب إن رأينا بعض القادة الروس يتحدثون عن أن جزءا من المعركة التي يخوضونها “من أجل الحفاظ على الفطرة السليمة”.
يمتلك الغرب ترسانة خطيرة من أدوات التضليل. غير أنه يعتمد الأدوات المحلية في الهجوم على القيم المختلفة للشعوب، فهي المدخل لأم المعارك. فهو لا تهمه الديمقراطية بدليل تحالفه مع أنظمة شرسة، بل يقوم بالتعتيم على أي حراك داخلها فقط لأنها مصدر للثروات الطبيعية وخصوصا النفط والغاز.
لماذا يصدقون أحيانا؟ في التاريخ الإسلامي شخصية معروفة ب”إبن العوجاء”، مشهور كراوي للحديث النبوي، كان يصدق تسع مرات ويكذب في العاشرة، ومن خلال هذه الفلتة يسرب كل ما يريد من أكاذيب. كانت المعلومات حينها خاضعة للضبط ولم تكن منسابة مثل اليوم، وبالتالي كان من الصعب أن تمر الكذبة دون أن ينتبه إليها النقاد. اليوم أصبحت النخب المثقفة من أكثر الأدوات تمريرا للكذب.
ولا يقتصر التزييف على نشر معلومات غير صحيحة. بل يستعمل أخبارا حقيقية. غير أن المعلومة الحقيقية لا تفيد الحقيقة. فمقابل الصورة التي يتم تسليط الضوء عليها هناك عشرات الصور النقيضة لها والتي لو تم نشرها لظهرت الصورة الأولى تافهة. ومقابل الخبر الذي يتم الترويج له، وهو صحيح، هناك أخبار أخرى، صحيحة، تمثل وجها آخر للحقيقة، فالمعلومة الملوثة قد تكون حقيقية دخلت عليها أنواع من الدخان فحجبت حقيقتها.
هذا التلوث يحتاج إلى معركة كبرى لا تقل عن باقي المعارك لمن يريد أن يتنفس “الحقيقة”، التي أصبح من شبه المستحيل العثور عليها وسط ركام المعلومات الملوثة.

Exit mobile version