Site icon أشطاري 24 | Achtari 24 – جريدة الكترونية مغربية

مغالطات حكومية حول التقاعد

عاد النقاش حول التقاعد من جديد، بعد أن تم فتح الحوار حوله من قبل أطراف الحوار الاجتماعي، لكن نغمة واحدة هي المتحكمة في خطاب الحكومة/ الحكومات، وهي إما أن تقبل النقابات “رغما عن أنف كل موظف وعامل” بالإجراءات القسرية المتخذة وإما أن الصناديق سوف تتعرض للإفلاس. هكذا خاطب عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة الأسبق، المواطنين وهو يقوم بأسوأ تقويم للتقاعد، وهو نفس الخطاب الذي يقوم به اليوم عزيز أخنوش، رئيس الحكومة.
الخطاب الدائم لدى الحكومات السابق والحالية، هو التهديد بالإفلاس المالي للصناديق، وكأن الموظف والعامل هو المسؤول عنها، بينما موضوع “التقاعد” هو مسؤولية الحكومة باعتبارها هي الوصي على أموال المساهمين، ومنهم من تمتد مساهمته لأربعين سنة، وبالتالي لا يمكن تحميل مواطن تبعات سوء تدبير هذه الصناديق، ولكن الحكومة هي المسؤولة فهي التي ينبغي أن تبحث عن حلول جذرية للمشكل، وبالتالي هي تمثل ادخار المواطنين.
المفروض من الحكومة، باعتبارها الوصي، أن تدبر شؤون هذه الصناديق بالطريقة، التي تجعل من ادخارات المواطنين استثمارات تذر أرباحا تملأ خزينة الصناديق بدل استنزافها في استخلاص أجور مرتفعة جدا للمسؤولين. ولكن المنطق يفرض أنها يتم ادخارها واستعمالها في استثمارات مربحة تعود بالنفع، حتى تتمكن الصناديق من أداء معاشات مناسبة لظروف عيش المواطن، بدل المعاشات المهينة التي يتلقاها كثيرون.
والمصيبة السوداء، الشبيهة بالكوميديا، هي أن الحديث يجري عن واحد من الصناديق لأي تجاوز عدد منخرطيه نصف مليون شخص، فما بالك إذا ارتفع العدد وأصبحنا تعاضدية يحصل فيها الجميع على التقاعد بعد مساهمات سنوات الشغل سواء كان الشغل في القطاع العام أو الخاص أو حتى الأعمال الفردية؟
إذن الإصلاح الحقيقي لصناديق التقاعد، ليس في رفع سن المعاش ونسبة المساهمة السنوية للمنخرطين وتخفيض مخصصات المعاش، ولكن في البحث عن آليات وأدوات رفيعة المستوى لتنمية موارد الصناديق، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “تاجروا في مال اليتمي حتى لا تأكله الصدقات”، فما بالك إذا كانت أموال المواطنين تأكلها الأجور السمينة لوحدها ويتم صرف فتات ودراهم معدودات للموظف المحال على المعاش، بعد أن ترميه إدارته عظما بلا لحم.
فالمطلوب ليس إصلاح نظام التقاعد أو أنظمة التقاعد، ولكن المطلوب تغيير مفهوم الحكومة لمعنى التقاعد، باعتباره مسؤولية للحكومة وأنه مجرد ادخار لأموال المواطنين، واستثمارها قصد تحقيق فوائد تملأ هذه الصناديق حتى يجد كل من وصل سن التقاعد معاشا محترما، أما رفع سن الحصول على المعاش فهو قصة أخرى دقيقة، فهي مرتبطة بما يسمى في دول العالم بـ”أمل الحياة”، فلا يعقل أن تمنح التقاعد على 65 سنة في بلد أمل الحياة لا يتجاوز فيه سبعين سنة، بينما الدول التي تعتمد هذا السن يصل أمل الحياة فيها إلى ثمانين سنة وأكثر.
وبقي أن نشير إلى أن الحكومة ينبغي أن تتحمل المسؤولية، مثلما تحملها الراحل عبد الرحمن اليوسفي، رحمه الله رحمة واسعة، وأدى متأخرات الدولة في الصناديق وهي متأخرات أربعين سنة.

Exit mobile version